روما- إنّ نائب المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة، السيدة Maria Helena Semedo، هي عالمة اقتصاد وسياسية من كابو فيردي تتصف بحرصها الشديد على شأني التنمية والاستدامة. وفي هذه الفترة التي تسبق انعقاد الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في مدينة غلاسغو، سألناها عما تفعله منظمتها التابعة للأمم المتحدة والتي يوجد مقرها في روما، للمساعدة على القضاء على الجوع في العالم إلى جانب التصدي لأزمة المناخ.
ماذا يجب أن يحصل لضمان نجاح الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف؟
آن الأوان لكي تجدد البلدان التزاماتها. فإن الولايات المتحدة، إحدى الجهات الفاعلة المهمة في هذه المعادلة، قد عادت إلى الساحة. وقد وردت التزامات من الصين، إحدى الجهات الفاعلة المهمة الأخرى. وإذا ما ذهبت البلدان إلى غلاسغو وقالت: "نجدد معًا التزامنا بتحقيق ما اتفقنا عليه في باريس" فإن العالم سيخطو خطوة مهمة إلى الأمام. والآن نحن نحتاج حقًا إلى إجراءات عالمية، على نطاق واسع. ويعدّ التمويل من المسائل الهامّة الأخرى. فإن التحدي هو ضمان أن تحقق البلدان هدفها المتمثل في حشد 100 مليار دولار أمريكي في السنة الواحدة لغايات تخفيف وطأة تغير المناخ والتكيف معه. وإذ تمكّنا أيضًا من جذب استثمارات سنوية تتراوح قيمتها بين 40 و50 مليار دولار أمريكي حتى عام 2030 لأجل تمويل تدخلات هادفة ومنخفضة الكلفة وعالية الأثر - كمشاريع البحث والتطوير في مجال الزراعة، والابتكار، والزراعة الرقمية، وخفض الفاقد والمهدر من الأغذية، وتحسين معرفة القراءة والكتابة لدى النساء، وبرامج الحماية الاجتماعية - سنتمكن من بناء نظم زراعية وغذائية قادرة على الصمود وشاملة ومستدامة يمكنها انتشال مئات الملايين من البشر من براثن الجوع. ونحن بحاجة إلى زيادة عدد الالتزامات. ولكن لا يمكننا الاكتفاء بالزيادة وإنما علينا التحوّل. وبغية التمكن من توفير الغذاء للعالم، يتعيّن على محادثات غلاسغو أن تتطلّع إلى المستقبل وأن تكون طموحةً وكفيلة بتحقيق التحوّل."
هل تعتقدين أن البلدان ستتمكن من تجاوز خلافاتها في غلاسغو؟
تترابط جميع تحدياتنا في ما بينها - ونحن في مرحلة حاسمة لحماية كوكبنا وتوفير الغذاء لسكان العالم الذين لا ينفك عددهم يتزايد. ونحن لا نملك ترف اعتماد نهج منعزل. وأثناء نقاشاتنا حول المناخ، تناولنا أحيانًا قضية المسؤولية والشرائح التي تدفع الآن ثمن مشكلة لم تسهم فيها. وقد حان الوقت الآن للاضطلاع بالمسؤولية المشتركة. فلنبحث عن حل معًا ولنلتزم به معًا. تترتب علينا مسؤولية عالمية، وينبغي لكل بلد، سواء أكان صغيرًا أم كبيرًا، اتخاذ إجراءات. وستكون للقرارات التي ستتخذ كذلك تبعات على الكيفية التي ننتج بها غذاءنا ونحوّله ونوزّعه ونستهلكه.
ما دور منظمة الأغذية والزراعة ونظمنا الزراعية والغذائية في مفاوضات الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف؟ وما رأيك في النقاش بشأن مساهمات الثروة الحيوانية في انبعاثات غازات الدفيئة حول العالم؟
يُنظر إلى قطاع الزراعة والأغذية على أنه مساهم كبير في تغيّر المناخ - إذ هو مصدر حوالي ثلث انبعاثات غازات الدفيئة، بحسب طريقة احتسابها. إذًا نعم، نحن نساهم في الوضع، ولكننا جزء من الحل. وفي جعبتنا الحلول المطلوبة. فدعونا نناقش هذه الحلول، ونرى كيف يمكننا أن نكون أكثر كفاءة في طريقة إنتاجنا. فمثلًا يمكننا بسهولة خفض انبعاثات الميثان بنسبة تصل إلى 30 في المائة عبر تحسين تغذية الثروة الحيوانية وحيوانات الألبان وتركيبتها الوراثية وصحتها؛ ولا بد من إعادة تدوير المزيد من المنتجات الثانوية للثروة الحيوانية واستخدامها حيثما أمكن مثل العلف والوقود والأسمدة؛ ويمكن لنظم الإنذار المبكر أن تساعد المزارعين في المجتمعات الريفية المنكشفة على التعامل مع التأثيرات الناجمة عن تغيّر المناخ.
كثيرًا ما يُنظر إلى قطاع الثروة الحيوانية على أنه القطاع صاحب الدور السلبي. ونحن في منظمة الأغذية والزراعة نثابر على القول إنه ينبغي لهذا القطاع أن يشارك في المفاوضات. فإذا لم يكن جزءًا من النقاش، لن يتمكن من تقديم الحلول. ولا ننسى أن الناس في بعض البلدان يستهلكون ما متوسطه 100 كيلوغرام من اللحوم سنويًا، فيما لا يتجاوز الاستهلاك الـ 3 كيلوغرامات في بلدان أخرى. إذًا، يتعلق الحل بإيجاد التوازن السليم. زد على أن سبل معيشة العديد من الناس في آسيا وأفريقيا تعتمد على قطاع الثروة الحيوانية. ومن الأفضل ألا يخسر هؤلاء أعمالهم. فدعونا نساعدهم على أن يتبعوا نهجًا أكثر استدامة. ولقد بدأنا بتغيير طريقتنا في إنتاج غذائنا وزرعه لخير الناس والكوكب غير أنه ينبغي فعل المزيد. وهذا تحديدًا ما تريد المنظمة طرحه على طاولة الحوار خلال الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف.
ما الذي يمكن أن تساهم به النساء والشعوب الأصلية على طاولة البحث؟
تقف النساء عند خط المواجهة. فهن الأكثر تأثرًا بأزمة المناخ، ومع ذلك يفتقرن إلى الموارد اللازمة عندما تقع الفيضانات أو موجات الجفاف. وفي معظم الأحيان، لا تتوفر لهنّ إمكانية الوصول إلى التعليم والابتكار والتمويل. وعلى الرغم من ذلك، فهنّ يشكلن العمود الفقري لنظامنا الزراعي والغذائي. هنّ المنتجات وهنّ من يوفر الغذاء للعائلة. وإذا لم نأخذهن في الاعتبار، فلن نحقق النتائج التي ننشدها. وتمتلك الشعوب الأصلية معارف قيمّة عن كيفية الإنتاج بصورة مستدامة، وكيفية استخدام التنوع البيولوجي لتوفير أنماط غذائية منوّعة وصحية باستخدام الموارد المتاحة وحسب. ونحن بحاجة إلى دعم هؤلاء وتمكينهم، إذ لا صوت لهم دائمًا في عمليات صنع القرار.
هناك سبل أخرى يمكن بواسطتها معالجة أزمة المناخ. على سبيل المثال، بواسطة الحد من إزالة الغابات وتعزيز تخزين الكربون في التربة. كيف تساعد منظمة الأغذية والزراعة في هذه المجالات؟
على مستوى العالم، أصيب ما يقدر بـ 30 في المائة من المناظر الطبيعية بالتدهور. ويعني هذا أن إصلاح الأراضي الزراعية والتربة المتدهورة كفيل بإزالة حتى 51 جيغا طنًا من الكربون من الغلاف الجوي - وإذا ما اعتبرنا أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وحدها قد تبلغ 33 جيغا طنًا هذا العام، نرى أن إصلاح الأراضي والتربة هو حلّ رابح فعلًا. وفي باراغواي، حيث تنتشر إزالة الغابات وتدهورها على نطاق واسع، نساعد حاليًا نحو 87 ألف شخص، ينتمي الكثيرون منهم إلى مجتمعات أصلية، عبر توفير التحويلات النقدية للجهات التي تتولى الإدارة المستدامة للغابات. وحين نفكر في الإصلاح، علينا أيضًا أن نفكر في المياه. وقد شدد الاجتماع الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على الكيفية التي يؤثر بها تغير المناخ بشكل كبير على دورة المياه، جاعلاً موجات الجفاف والفيضانات أكثر تطرفًا وتواترًا، فيما يتسبب الارتفاع المتواصل لدرجات الحرارة في ارتفاع مستوى البحار. وبما أن الزراعة مسؤولة عن 72 في المائة من عمليات سحب المياه العذبة، فإن الأمر يتطلب اتخاذ إجراءات واستثمارات لمزيد من الإنتاج بواسطة كميات أقل من المياه، ودعم التكيف مع تغير المناخ. وتقود منظمة الأغذية والزراعة أيضًا مبادرات واسعة النطاق، مثل الجدار الأخضر العظيم في منطقة الساحل الأفريقي، وهي تُعد خريطة تساعد في تحديد المناطق ذات القدرة العالية على تخزين الكربون في التربة. كما علينا أن نخفّض الفاقد والمهدر من الأغذية اللذين يمثلان 10 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة ويكلّفان 400 مليار دولار أمريكي من حيث القيمة الغذائية.
تعمل منظمة الأغذية والزراعة بشكل متزايد بالشراكة مع القطاع الخاص. ما أهمية هذه العلاقة؟
نتحدث كثيرًا عن الابتكار، ونحن نعلم أن التقدم في مجال الابتكار يأتي غالبًا من القطاع الخاص. فبيده المفتاح نحو السبل الجديدة للإنتاج. ولكن عندما نتحدث عن الاستدامة، نحن نتمتع بالصوت اللازم لإقناع الجهات في القطاع الخاص بتغيير الطريقة التي تنتج بها الغذاء وتحوّله على نحو أكثر استدامة. وبوسعنا مساعدتها في إدراك المقايضات وأوجه التآزر، ويمكننا الربط بين كبار المنتجين وصغار المنتجين. ويبدو أن الشركات الكبرى في بعض الأحيان منفصلة بشكل كامل عن صغار المنتجين. بيد أنها لا توفر التكنولوجيا والابتكارات وحسب وإنما فرص الوصول إلى الأسواق كذلك. ولذا نحن بحاجة حقًا إلى شراكات استراتيجية. فبوسعنا الربط بين صغار المنتجين وبين السوق، فندلهم على ما هو مطلوب على صعيد الجودة والسلامة. هذا هو الدور الذي تضطلع به المنظمة. فنحن أشبه بوسيط بين صغار المنتجين وكبار المنتجين.