روما/نيويورك – قال المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) اليوم خلال حلقة نقاش كرِّست لتعزيز السلام في المنطقة إن الرعي الترحالي وسيلة مهمة لكسب لقمة العيش في منطقة الساحل، ويمكن لتحسين الحوكمة والدعم المساهمة في الحد من مخاطر النزاعات.
وقال السيد شو "لقد أدى تزايد النزاعات وانعدام الأمن في المناطق الزراعية الرعوية إلى النظر بشكل سلبي إلى الترحال الرعوي العابر للحدود، رغم ما ينطوي عليه من منافع اقتصادية جمّة وأهمية اجتماعية وثقافية وبيئية. ويشكِّل الرعي الترحالي استراتيجية حيوية، يستعين بها ملايين الأشخاص عبر مختلف أنحاء منطقة الساحل لتحويل الموارد الطبيعية الشحيحة والمتغيرة إلى مصدر مستدام للأغذية المغذية والدخل وسبل عيش قابلة للاستمرار".
وتناول المدير العام الكلمة خلال اجتماع للجنة الأمم المتحدة لبناء السلام، ركّز على كيفية دعم استراتيجية الأمم المتحدة المتكاملة لمنطقة الساحل في المنطقة والجهود التي تبذلها المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل – وهي بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر - للتصدي لتحديات تدهور المناخ من منظور بناء السلام. واستعرض المشاركون مبادرة رائدة مشتركة بين منظمة الأغذية والزراعة والمنظمة الدولية للهجرة بشأن الترحال الرعوي في المنطقة لتحديد الفرص والتحديات التي كشفت عنها عملية تنفيذها.
وقدم إحاطات كلٌ من المدير العام للمنظمة؛ والمدير العام للمنظمة الدولية للهجرة، السيد António Vitorino؛ ومنسق الأمم المتحدة الخاص المعني بالتنمية في منطقة الساحل، السيد Abdoulaye Mar Dieye؛ والأمين التنفيذي لأمانة المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل السيد Eric Tiare؛ وممثلين عن الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي والمنظمات غير الحكومية المحلية، إضافة إلى موظفين آخرين من الأمم المتحدة.
والجدير بالذكر أن بلدان المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل تعرضت خلال السنوات الأخيرة لتهديدات أمنية متزايدة وأزمات غذائية متكررة، ما تمخض عن احتياجات إنسانية هائلة. وكان ذلك بمثابة العامل الرئيسي وراء ارتفاع عدد الأشخاص الذين يعيشون حالة أزمة أمن غذائي أو ما هو أسوأ من ذلك في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل بثلاث أضعاف تقريبًا منذ عام 2016، ليبلغ قرابة 35 مليون شخص في عام 2022، وفقًا للإطار المنسّق (Cadre Harmonisé). ومن المتوقع أن يشهد هذا العام، عقب تساقط غير منتظم للأمطار في عام 2021، موسم جدب شديد للغاية بالنسبة إلى الرعاة، إذ ينتظر أن يكون إنتاج الحبوب في النيجر أدنى بسنة 38 في المائة من متوسط الخمس سنوات، ما يشكّل مصدر قلق بالغ. ولا تغطي المراعي المتاحة سوى شهر أو ثلاثة أشهر من الاحتياجات، ما يسفر عن تحركات مبكرة للقطعان ويزيد من خطر تفاقم احتدام النزاعات مع المزارعين.
وقال المدير العام للمنظمة إن النزاعات وأزمة المناخ تؤثران بصورة سلبية على الترحال، مشيرًا إلى أن الترحال يمكِّن مالكي الماشية من الاستفادة من تنوع النظم الإيكولوجية المحلية والتكيّف مع التغيرات البيئية والوصول إلى مجموعة أوسع من الأسواق. وإن زيادة القدرة على الصمود تكتسي أهمية بالغة، وستقتضي تحسين السياسات العامة لمعالجة التحديات المتعددة الأبعاد والعابرة للحدود في المنطقة.
وقد تزايد عدد الهجمات العنيفة في منطقة الساحل الأوسط بثمانية أضعاف خلال الفترة الممتدة بين عامي 2015 و2020، ما تسبب في زيادة بعشرين ضعفًا في عدد النازحين داخليًا في بلدان المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل وفي فرار قرابة مليون لاجئ من بلدانهم.
وصرّح السيد شو أنه يتعين فعل المزيد وتحقيق المزيد من التأثير. وينصب تركيز المبادرات التي تنفذها المنظمة في المنطقة على تنشيط الآليات المحلية لمنع نشوب النزاعات المتعلقة بالوصول إلى الموارد الطبيعية واستخدامها، وإدارتها بهدف جني ثمار السلام المحلية.
وتستخدم المنظمة تحليل النزاعات لتقييم النزاعات التي تنشب حول الموارد الطبيعية وغيرها من النزاعات في المناطق الريفية، وتحديد المبادرات الهادفة إلى منع نشوب النزاعات وإدارتها، وصياغة اقتراحات لتحسين فعالية آليات منع نشوب النزاعات وإدارتها. ويعتبر تحليل النزاعات أحد الأنشطة الرئيسية المنفذة في مشاريع مثل مشروع "تعزيز قدرة السكان الرعويين والرعاة الزراعيين العابرين للحدود على الصمود في المناطق ذات الأولوية في منطقة الساحل" الذي تموله الشبكة العالمية لمكافحة الأزمات الغذائية والاتحاد الأوروبي.
وتتعاون المنظمة مع الكثير من وكالات الأمم المتحدة باستخدام صندوق بناء السلام، لدعم سكان منطقة الساحل ومؤسساتها. وقد انطوى ذلك على إنشاء شبكات لنوادي ديميترا للمستمعين المحليين قادرة على العمل كأدوات لتعزيز المشاركة الشاملة للمواطنين، وإنشاء مدارس حقلية رعوية زراعية كمكان للتدريب على التكنولوجيات الجديدة ولكن أيضًا للحوار مع النساء والشباب الذين لا غنى عنهم في عملية السلام وكذلك مبادرات أخرى - بما فيها نظم الإنذار المبكر القائمة على البيانات، والإجراءات الاستباقية لمخاطر الجفاف، واستخدام ميزانيات الأعلاف لتحديد أوجه التطابق بين العرض والطلب، وتطعيم المجترات الصغيرة، وحفر آبار رعوية للري – من أجل استعادة جو من الثقة بين السلطات المحلية وأفراد الجماعات المحلية ذات القاعدة الشعبية.
منطقة ليبتاكو-غورما
اشتركت المنظمة والمنظمة الدولية للهجرة، بفضل تمويل من صندوق بناء السلام، في تنفيذ مشروع في منطقة ليبتاكو- غورما، التي تقع على الحدود مع بوركينا فاسو ومالي والنيجر والتي تتعرض لضغوط شديدة جراء مجموعة معقدة من العوامل، منها شح الموارد وتقلب المناخ والضغط الديمغرافي وارتفاع مستويات الفقر والشعور بالاستياء والتوترات القبلية وغياب مؤسسات الدولة والخدمات الأساسية، وهي كلّها عوامل تتفاقم بفعل أعمال العنف المتصلة بالجريمة المنظمة والجماعات المسلحة غير التابعة للدول.
ويعتمد قرابة 50 مليون شخص أو 72 في المائة من السكان في منطقة الساحل على تربية الماشية من أجل بقائهم، ويساهم قطاع الثروة الحيوانية بحوالي ربع إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للبلدان الثلاثة.
وباستخدام أداة تتبع الترحال الرعوي التي وضعتها المنظمة الدولية للهجرة ومنظمة الأغذية والزراعة لتوفير آلية للاستجابة المبكرة لأصحاب المصلحة المحليين من أجل التخفيف من حدة النزاعات المحتملة، يتسنّى بفضل المشروع تحديد حجم المشاكل الناشئة، ولا سيما عدد الرعاة الذين "تقطعت بهم السبل"، وذلك في الغالب بسبب العوامل الأمنية أو القيود المفروضة جراء جائحة كوفيد-19 أو القواعد الحكومية أو الوجود النسبي لأراضي رعي صالحة للاستعمال أو عدم وجودها. ويواجه الرعاة الذين تقطعت بهم السبل تحديات جسيمة تعترض وصولهم إلى الأسواق لبيع ماشيتهم.
وتشير هذه الأداة وغيرها من شبكات جمع المعلومات إلى أن الترحال الرعوي- خاصة التحركات المبكرة أو الواسعة النطاق للحيوانات - يرتبط بغالبية سيناريوهات النزاعات المحتملة وأن عددًا قليلًا فحسب من الحالات يتم تسويته بصورة فعالة من قبل القادة المحليين. وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على الحاجة إلى استجابات سياسية وطنية أكثر فعالية، بما يشمل ضمان الوصول إلى الخدمات الأساسية، من قبيل الصحة والتعليم وخدمات الإرشاد الفني والتمويل.
وقال المدير العام، السيد شو، إن المشروع المشترك يقدم فرصًا للتعاون ولدعم الرعاة الذين يمارسون الترحال الرعوي.
وسلّط الضوء على ضرورة العمل بشكل وثيق مع السلطات المحلية والوطنية والإقليمية لتعزيز فعالية اللوائح التنظيمية والسياسات المتعلقة بالترحال الرعوي، وتيسير زيادة الاستثمار في البنية التحتية الرعوية، والنهوض بمؤسسات أكثر شمولًا لإدارة الأراضي.