روما - واجه العالم بأسره في السنوات الأخيرة تحديات كبيرة تتعلق بضمان الأمن الغذائي، نجمت عن جائحة كوفيد-19 وأزمة المناخ وتدهور البيئة وفقدان التنوع البيولوجي والنزاعات. وبات ملايين الأشخاص في أكثر من 45 بلدًا حول العالم بحاجة الآن إلى دعم عاجل.
ويوضح السيد Rein Paulsen، مدير مكتب حالات الطوارئ والقدرة على الصمود التابع لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة)، أنّ توفير المعونة الغذائية لوحدها ليس كافيًا من أجل معالجة أزمة الجوع المتنامية.
ويتحدث السيد Paulsen أثناء مقابلة أجراها مع غرفة الأخبار التابعة للمنظمة عن الشواغل الهامة التي تشوب المشهد الإنساني في العالم ويسلط الضوء على أهمية التدابير الاستباقية والاستثمارات التي تدعم الإنتاج المحلي للأغذية وتحسن قدرة الزراعة على الصمود في بؤر الجوع الساخنة.
لقد قمتم بإدارة عدد من أكبر برامج العمل الإنساني وحالات الطوارئ في العالم. فكيف تغيّر برأيكم المشهد الإنساني في العقود الأخيرة؟
لعلّ أحد أكثر التغيرات وضوحًا هو بكل صراحة الارتفاع المفاجئ والحاد والمتنامي في عدد الأشخاص الذين هم بحاجة إلى مساعدة عاجلة.
وقد قام تقرير بعنوان لمحة عامة عن العمل الإنساني في العالم – وهو نداء مشترك ومنسق بين الأمم المتحدة وشركائها، ومن بينهم المنظمة – بإطلاق نداء في نهاية العام الفائت لدعم قرابة 230 مليون شخص. وإنّ العين لتدمع بحق لرؤية هذه الأرقام، وهي تخبرنا أنه ليس علينا أن نبذل المزيد من الجهود فحسب، بل أن نبذلها بشكل أفضل أيضًا.
ما هو أهمّ درس تعلمتموه في إطار عملكم في حالات الطوارئ العالمية؟
لقد تعلمنا عددًا من الدروس الهامة، لكني أودّ أن أركّز على القدرة على الصمود على مستوى الأسر المعيشية وضمن المجتمعات المحلية والقدرة الاستثنائية التي يتمتع بها الناس – حتى في حالات الكوارث الأكثر قسوة – على تذليل الصعاب والبقاء والتكيف.
وبالنسبة إلينا في المنظمة، هناك رسالة هامة نود أنّ نوصلها إلى الجميع ومفادها أنّ أغلب الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية موجودون في المناطق الريفية. وهم مزارعون. هم أشخاص متعلقون بأرضهم أو هم صيادو أسماك. وتلك هي نقطة البداية اللازمة لاستجابتنا في حالات الطوارئ.
على أي هيئة تكون المعونة الزراعية الطارئة المقدمة للمزارعين وصيادي الأسماك؟
هي تتمثل بشكل أساسي في وضع الموارد في متناول الأسر الزراعية المتضررة.
ويكون ذلك – على سبيل المثال – من خلال توفير البذور والأدوات والمساعدة الفنية من أجل تمكينهم من زراعة محاصيل الموسم المقبل. ويعني ذلك الحفاظ على حياة الحيوانات أثناء فترة الجفاف أو خلال فصل الشتاء، ونحن نقوم بذلك من خلال توفير العلف للحيوانات بصورة عاجلة بل والمساعدة البيطرية كذلك. كما تكون في معظم الأحيان على هيئة تقديم مبالغ نقدية للناس.
وتكون عادة هذه الأنشطة مجتمعة ما يحتاجه الناس من أجل تجاوز الفترات العصيبة، وأقصد بذلك الأسر الزراعية.
وعلى سبيل المثال، قمت بزيارة أفغانستان في مطلع شهر فبراير/شباط. حيث قامت المنظمة في العام الماضي وحده، بمشاركة 21 من الشركاء في التنفيذ، بتقديم دعم مباشر لما يزيد عن 6 ملايين شخص في المناطق الريفية في أفغانستان عن طريق تدخلات عاجلة. ونحن نعمل على صون حياة الحيوانات أثناء فصل الشتاء، كما أننا نقدم الدعم النقدي للأسر المعيشية التي تعيلها النساء والأسر المهمشة التي لا يمكنها حتى الوصول إلى قطعة أرض.
كما أننا نركز على ما يمكنهم زراعته في حدائقهم الخلفية من خلال تنفيذ تدخلات تتعلق بالخضار والبروتينات الحيوانية، من خلال توفير الدجاج على سبيل المثال. وتتسم هذه الأنشطة بوقعها الكبير وقدرتها على إحداث فارق في الأوضاع التي يعاني فيها سكان الريف من انعدام حاد في أمنهم الغذائي.
ونقوم [أيضًا] بتوفير ما يكفي من بذور القمح مقابل 220 دولار من أجل إنتاج ما يحتاجون إليه من حبوب لفترة 12 شهرًا في أفغانستان. ونوفر بذورًا ذات جودة أفضل لزراعتها في السنوات المقبلة. لذلك فإنّ الأمر لا يتعلق بتقديم العون فحسب، بل بفعل ما هو أشدّ تأثيرًا بكثير.
كيف يمكن تفادي حالات الأزمات الغذائية الطارئة المحتملة من خلال اتباع النُهج الاستباقية؟
دعوني أضرب لكم مثالًا، حيث أدت المنظمة دورًا بالغ الأهمية في نجاح تقديم الدعم لعدد من الحكومات من أجل الوقاية من حالات تفشي الجراد الصحراوي الواسع النطاق والاستجابة لها بعدما اجتاحت قسمًا كبيرًا من القرن الأفريقي وشرق أفريقيا وتجاوزت حدودها حتى.
وقد تمكنّا من خلال العلاج بواسطة الكشف المبكر من توفير الاستجابة على نطاق واسع. وكانت تلك استجابة امتدت على عامين وبلغت كلفتها 230 مليون دولار وحالت دون وقوع خسائر في المحاصيل بقيمة لا تقل عن 1.8 مليارات دولار. وهذا منطقي.
فلمَ الانتظار إلى حين وقوع الكارثة؟ ومن يفضّل الانتظار ليتلقى العون أو المساعدة بعد وقوع الكارثة عوضًا عن استباقها وحماية نفسه وأسرته؟
وتستمد المنظمة القوة في استجابتها الإنسانية من خلفيتها الإنمائية. فنحن متجذرون في المجتمعات المحلية والبلدان. ولدينا علاقات طويلة الأمد مع وزارات الزراعة. وحين نقوم بتوزيع البذور في أحد البلدان، فنحن نعلم أنّ تلك البذور مناسبة له لأننا عكفنا على تحسينها طوال سنوات عديدة.
ويحتاج الناس على الدوام إلى وسيلة من أجل الاعتناء بأنفسهم. وإنّ إيلاء هذا الاهتمام لسبل العيش في حالات الطوارئ لا غنى عنه بكل تأكيد. وهو طريقة فعالة من حيث الكلفة للاستجابة لتلك الحالات. وطريقة ملؤها الوقار لدعم الأفراد المتضررين من الكوارث. ودعونا نتذكر أيضًا أننا لا نوفر فقط الوسيلة من أجل توفير الأغذية للأسر في الأسابيع والأشهر المقبلة، بل إننا نعزز كذلك قدرتها على الصمود في مواجهة الكوارث في المستقبل.
هل هناك تمويل كافٍ يوجه حاليًا نحو المساعدة الزراعية في حالات الطوارئ؟
يعيش أكثر من 70 في المائة من المتضررين من الأزمات الغذائية في المجتمعات المحلية الريفية. وهم مزارعون وصيادو أسماك، لكنّ دعم الزراعة لا يحظى سوى بنسبة 4 في المائة فقط من إجمالي التمويل المقدم للاستجابة الإنسانية والموجه نحو تلك المناطق التي طال فيها أمد حالات الطوارئ.
هذا يعني أنّ غالبية السكان يعتمدون على الزراعة وعلى الحد الأدنى من التمويل الداعم لأنشطة الاستجابة في القطاع الزراعي. وهذا أمر غير منطقي حقًا. إذ إنّ الاهتمام بسبل العيش جوهري في حالات الطوارئ. وهو طريقة استجابة فعالة من حيث الكلفة. وطريقة ملؤها الوقار لدعم الأفراد المتضررين من الكوارث.
وتأتي استجابتنا أيضًا بعد وقوع ما نسميه "الأحداث المفاجئة". ومثال على ذلك المأساة التي نراها الآن عقب الزلزال الذي ضرب كلًا من تركيا والجمهورية العربية السورية. وهذا أيضًا جزء من أنشطتنا، ولا بد من توفير استجابة عاجلة له.
لكنّ معظم العمل الذي تقوم به المنظمة في استجابتها لحالات الطوارئ هو الاستجابة للأزمة على أساس سنوي. وهذا جانب بحاجة إلى تحسين – ولهذا السبب ينبغي لنا أن نعمل بصورة مختلفة.
تفيد دراسة أعدتها الأمم المتحدة مؤخرًا بأن نحو 000 43 شخص تقريبًا قد لقوا حتفهم العام الماضي في الصومال بسبب الجفاف. فكيف يعمل الدعم الزراعي على إنقاذ سبل العيش والأرواح على حدّ سواء؟
لقد قامت المنظمة وشركاؤها الآخرون في منظومة الأمم المتحدة بالدعوة في أواخر عام 2021 إلى الارتقاء بالجهود المبذولة في المنطقة لأننا رأينا أنّ هطول الأمطار لم يكن كافيًا وكانت المجتمعات المحلية والأسر المعيشية الضعيفة ترزح بالفعل تحت وطأة الضغوط.
وأخشى، للأسف، أن يكون ما نراه في القرن الأفريقي هو مثال على عدم تلبية النداءات الصادرة عن عمليات تحليل الإنذار المبكر والعمل الاستباقي. والصومال هو خير مثال على المكان الذي لو نفذت فيه التدخلات الزراعية العاجلة لمكّنت الأسر من البقاء في أرضها، ولما اضطرّتها إلى النزوح إلى مخيم بعيد عن الأماكن الحضرية.
وتشير تجربتنا في الصومال وفي أماكن أخرى إلى أنه إذا بقيت الحيوانات التي يملكها الأشخاص على قيد الحياة، وإذا كانت لديهم محاصيل في أرضهم ، وإذا كانوا قادرين على زراعة البذور، وإذا كانت هناك أشياء يقومون برعايتها، فهم لن يضطروا في الغالب إلى الفرار إلى مكان آخر.
وتلك هي الاستجابة الأكثر فعالية ووقارًا التي يمكننا أن نوفرها.
كيف تدعم المنظمة السكان في حالات الطوارئ المتعلقة بالصراعات؟
المنظمة هي وكالة فنية ذات ولاية فريدة ضمن منظومة الأمم المتحدة. وإنّ أسلوب عملنا في حالات الصراعات متجذّر في خبرتنا الفنية. إذ تختلف السياقات باختلاف البلدان والأوضاع.
واسمحوا لي أن أضرب مثالًا من تيغراي. إذ كثرت الشواغل العام الفائت بشأن خطر المجاعة الداهم. وبالطبع، كانت المنظمة تعمل في تيغراي، وفي جميع أنحاء إثيوبيا، قبل أن يشتعل فتيل الصراع والقتال.
ومع أولى بوادر الصراع، كان الناس لا يزالون قادرين على زراعة المحاصيل. وقد أنتج المزارعون في تيغراي، بدعم من المنظمة وجهات أخرى، 000 900 طن متري من الأغذية؛ أي ما يعادل الاحتياجات الغذائية لتلك المنطقة من العالم لمدة 6 إلى 7 أشهر.
ونحن لا نزال قادرين على تمكين الناس من إعالة أنفسهم، حتى في أحلك الظروف، بفضل تلك التدخلات العاجلة.
كيف تقوم المنظمة بدعم البلدان عند تفشي أوبئة عالمية مثل جائحة كوفيد-19؟
في اعتقادي أنّ هناك بعض الدروس الهامة بحق التي أتمنى أن نكون قد تعلمناها جميعًا حين يتعلق الأمر بواقع التفاعل بين الإنسان والحيوان والبيئة الطبيعية.
إذ إنّ تلك الأمراض القابلة للانتقال بين الحيوان والإنسان من شأنها أن تعيق سلاسل الإمدادات الغذائية، ويمكنها أيضًا أن تؤثر على الإنسان بصورة مباشرة. وتعمل المنظمة باستمرار مع الجهات الأخرى في منظومة الأمم المتحدة والشركاء الآخرين على هذا الجانب من صحة الحيوان.
وقد قامت المنظمة خلال الاثني عشر شهرًا الماضية بالوقاية من قرابة 990 حالة تفشٍ للأمراض الحيوانية واستجابت لها. وفي حال لم تكونوا قد سمعتم الكثير عنها، فهذا دليل على أنّ المنظمة قد أدت عملها بنجاح. فالوقاية من تفشي فيروس كوفيد جديد هي في غاية الأهمية.
جرى تحرير هذه المقابلة توخيًا للاقتضاب والوضوح