روما - تعتبر منطقة القرن الأفريقي عرضة للصدمات والأخطار الطبيعية. وقد واجهت المنطقة ثلاث ظواهر جفاف شديدة خلال الأعوام الـ 12 الماضية. والآن، وبعد خمسة مواسم متتالية من هطول الأمطار دون المتوسط، عادت المنطقة خلال فترة الأمطار الطويلة هذا العام إلى نمطها الطبيعي من وجهة نظر هطول الأمطار. غير أن الفيضانات تشكّل مصدر قلق كبير خلال الأشهر المقبلة. ويستمر الأثر المشترك الناتج عن آثار الجفاف الطويلة الأمد والفيضانات الحالية بإلحاق الضرر بحياة السكان وسبل عيشهم. وفي هذه المقابلة، يجري السيد Cyril Ferrand، قائد فريق القدرة على الصمود لشرق أفريقيا في منظمة الأغذية والزراعة، تقييمًا للوضع الحالي ويتحدث عن ضرورة توسيع نطاق التدخلات في ظلّ تزايد المخاوف العالمية.
السؤال 1: وُصِف الجفاف في القرن الأفريقي بأنه أشد موجة جفاف مطوّل منذ عقود. هل يمكنكم شرح الآثار التي أحدثها الجفاف على حياة المجتمعات المحلية الريفية وسبل عيشها؟
السيد Cyril Ferrand: في الواقع، تواجه المنطقة كارثة غير مسبوقة. ونحن نتحدث عما يقرب من ثلاث سنوات أو خمسة مواسم من الجفاف في القرن الأفريقي، وقد ألحق ذلك أضرارًا جسيمة بسبل العيش الريفية في جزء من إثيوبيا، وكينيا، والصومال، وبدرجة أقل في جيبوتي.
وعانى العديد من الأسر المعيشية الزراعية من مواسم حصاد ضعيفة متتالية وخسائر وصلت نسبتها إلى 100 في المائة، لا سيما في المناطق القاحلة وشبه القاحلة. وفقدت بعض المجتمعات المحلية الزراعية الرعوية مصادر أغذيتها ودخلها كافة. وأدى العجز في إنتاج المحاصيل، إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الغذائية الذي يُعزى جزئيًا إلى الصراع في أوكرانيا، إلى تفاقم حالة انعدام الأمن الغذائي لعشرات ملايين الأشخاص.
وبالإضافة إلى ذلك، نزح 2.3 ملايين شخص عبر المنطقة بحثًا عن الخدمات الأساسية والمياه والأغذية. ونحن نعلم جيدًا أنه عندما يتنقل الأشخاص، فإن ذلك ينطوي أيضًا على مسائل تتعلق بالأمن، والعنف، وبشكل خاص العنف القائم على نوع الجنس. وباختصار، أدى الجفاف إلى أزمة معيشية تحولت إلى كارثة إنسانية متعددة الأوجه شملت النزوح، والمشاكل الصحية، وسوء التغذية، وأزمة أمنية انطوت على آثار طويلة الأجل على حياة السكان وسبل عيشهم.
السؤال 2: أدى الجفاف إلى نفوق 13.2 مليون رأس من الماشية في المنطقة، وهي تشكّل مصدرًا أساسيًا لسبل عيش المجتمعات المحلية الرعوية ودخلها وتغذيتها. فما الذي تقوم به المنظمة لحماية الثروة الحيوانية والحدّ من الخسائر؟
السيد Cyril Ferrand: في أوقات الجفاف، تكون المجتمعات المحلية الرعوية من المجتمعات الأشد تضررًا. إذ فَقَد الرعاة بين أواخر عام 2020 ونهاية عام 2022 أكثر من 13 مليون رأس من الماشية في جميع أنحاء المنطقة بسبب نقص المياه والأعلاف. ونحن نتحدث عن الأبقار، والمجترات الصغيرة، والماعز، والأغنام، وكذلك الإبل. ومن الأهمية بمكان أن نفهم أن الماشية لا تشكّل مصدرًا للدخل بالنسبة إلى الأشخاص القادرين على بيع الحيوانات فحسب، ولكنها تعتبر أيضًا مصدرًا رئيسيًا للحليب الذي يؤدي دورًا محوريًا في الأنماط الغذائية الصحية، لا سيما بالنسبة إلى الأطفال دون سن الخامسة. ويصل العجز على صعيد الحليب نتيجة فقدان الحيوانات إلى 330 000 لتر من الحليب يوميًا. وهذه الكمية كانت تكفي لتزويد 1.5 ملايين طفل دون سن الخامسة بالحليب بشكل يومي منذ بداية موجة الجفاف.
ويرتبط ارتفاع معدل سوء التغذية الذي لاحظناه في المنطقة إلى حد كبير بالعجز في إنتاج الحليب وفقدان الحيوانات.
وللتصدي لهذه المشكلة، أجرينا بعض عمليات إعادة البرمجة لمشاريع قائمة في مجال القدرة على الصمود، ما سمح لنا بإنقاذ عدد من الحيوانات التي كانت منتجة. وشملت التدخلات توفير الأعلاف والمياه لهذه الحيوانات. وعلى سبيل المثال، عملنا في الصومال على التصدي لشح المياه من خلال إعادة تأهيل أحواض المياه التي تعتبر بشكل أساسي خزانات مياه ضخمة يتم ملؤها بالمياه خلال موسم الأمطار، ما قد يطيل فترة توفر المياه للثروة الحيوانية خلال موسم الجفاف ببضعة أشهر.
السؤال 3: يُعدّ الجوع وانعدام الأمن الغذائي من الشواغل الرئيسية بالنسبة إلى عشرات ملايين الأشخاص الذين يعانون من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. ما هي الطرق التي تتصدى من خلالها المنظمة لهذه التحديات؟
السيد Cyril Ferrand: في الواقع، يواجه عشرات الملايين من الأشخاص مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد خاصة بسبب الجفاف في إثيوبيا وكينيا والصومال.
وعندما واجهنا أول موسم أمطار دون المتوسط في أواخر عام 2020، قمنا على الفور بتنبيه المجتمع الدولي. ولدينا نظام فعّال للغاية للإنذار المبكر. ولكنّ نظام الإنذار المبكر وحده لا يكفي. وقبل أن تصبح إحدى موجات الجفاف أزمة إنسانية متعددة الأوجه، تكون في المقام الأول أزمة معيشية، ويعتبر العمل الاستباقي الذي يحمي سبل العيش النهج الصحيح لمواجهتها. لكن لسوء الحظ، كانت الموارد المتاحة في بداية دورة الجفاف محدودة.
وفي الأشهر الستة الأخيرة من عام 2021، بدأنا في تلقي التمويل، وسمح لنا ذلك بتنفيذ بعض التدخلات التي هدفت إلى إنقاذ حيوانات التربية الأساسية والأكثر إنتاجية. ومع تفاقم الأزمة في مطلع عام 2022، أطلقنا نداءً إقليميًا لمواجهة الجفاف بهدف واضح يتمثل في تفادي المجاعة، وقد أثبت ذلك نجاحه. وكان هذا جهدًا مشتركًا قامت به جميع الجهات الفاعلة الإنسانية، بما في ذلك مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة، والمنظمة الدولية للهجرة، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وفي البداية، نظرنا في بؤر الأزمة المتعددة الأوجه، وقمنا بتحديد الأولويات الجغرافية من أجل دعم المناطق التي كانت تواجه نقصًا في المياه، وانعدام الأمن الغذائي الحاد، ومستويات مرتفعة من سوء التغذية، وخطر فقدان الثروة الحيوانية والمحاصيل بشكل كامل. وركّزنا الجزء الأكبر من جهودنا في تلك الأماكن مع وجود موارد محدودة.
وفي عام 2022، تلقت المنظمة 120 مليون دولار أمريكي، وشكّل ذلك نسبة تتراوح بين 50 إلى 55 في المائة تقريبًا من احتياجات التمويل. وباستخدام هذه الأموال، قمنا بالتركيز بشكل كبير على دعم المجتمعات المحلية الرعوية والزراعية الرعوية التي كانت الأشدّ تضررًا جراء الكارثة.
السؤال 4: شهدت المنطقة أمطارًا غزيرة مؤخرًا مما أدى إلى حدوث فيضانات مفاجئة في المناطق التي كانت متضررة بالفعل جراء الجفاف. هل يمكنكم وصف كيف تؤدي هذه الأنماط المناخية المتناقضة وظاهرة النينيو الوشيكة إلى تعقيد الأوضاع الإنسانية؟
السيد Cyril Ferrand: تعتبر منطقة القرن الأفريقي الكبرى أو منطقة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (IGAD) عرضة للصدمات والمخاطر الطبيعية. وعلى سبيل المثال، شهدنا في عام 2019 مستوى غير مسبوق من الأعاصير، فيما أدت الرطوبة المفرطة في غير موسمها التي سببتها الأعاصير إلى طفرة للجراد الصحراوي. وفي الوقت ذاته، شهدنا ثلاث ظواهر جفاف شديدة خلال 12 عامًا.
وبعد خمسة مواسم متتالية من هطول الأمطار دون المتوسط، كانت فترة هطول الأمطار المطوّلة من مارس/آذار إلى مايو/أيار 2023 طبيعية. ومع ذلك، تشكل الفيضانات مصدر قلق في الوقت الحالي. وإن الجفاف الطويل الأمد قد جعل التربة أقلّ قدرة على الامتصاص حيث أنّ مياه الأمطار لا تتسرب بسهولة عبر الأرض. ويعتبر ذلك أيضًا جزءًا من سبب حدوث الفيضانات. إننا نواصل مراقبة الوضع بموازاة رسم خرائط المناطق المعرضة للفيضانات من أجل تقديم المساعدة للمزارعين للحفاظ على محاصيلهم.
وبالنظر إلى فترة هطول الأمطار القصيرة من أكتوبر/تشرين الأول إلى ديسمبر/كانون الأول 2023، ثمة احتمال متزايد لحدوث ظاهرة النينيو، ويعني ذلك هطول أمطار غزيرة وحدوث فيضانات في المنطقة مع اقتراب نهاية هذا العام. غير أنه ينبغي علينا توضيح الأمر. فاستئناف هطول الأمطار لا يعني أن السكان سيتعافون بسرعة كبيرة. وبالنسبة إلى المجتمعات المحلية الرعوية التي تبقّت لديها بعض الأصول الحيوانية، فإنها ستحتاج إلى فترة عامين لكي تتعافى. ونادرًا ما يستأنف الأشخاص الذين فقدوا جميع ممتلكاتهم وأجبروا على الانتقال من المناطق الريفية إلى المراكز الحضرية الأنشطة الرعوية. ويحتاج هؤلاء الأشخاص إلى المساعدة وإلى شبكات الأمان الاجتماعي، ويحتاجون في نهاية المطاف إلى تغيير سبل عيشهم بالكامل.
السؤال 5: هناك حاجة ماسة للاستثمار في سبل العيش، والقدرة على الصمود، والتكيف مع تغيّر المناخ في المنطقة. هل يمكنكم إعطاء بعض الأمثلة لما تقوم به المنظمة في هذا المجال، وما الذي يتوجب القيام به بشكل أكبر قبل حدوث الظاهرة المناخية المتطرفة/موجة الجفاف القادمة؟
السيد Cyril Ferrand: يكمن التكيف مع تغيّر المناخ وبناء القدرة على الصمود في صميم ولاية المنظمة وعَمَلِنا في هذا المجال. وبشكل أكثر تحديدًا، يعني ذلك تعزيز قدرة المجتمعات المحلية والأفراد على الصمود، فضلًا عن تعزيز النظم الزراعية والغذائية في وجه الصدمات، بما في ذلك الظواهر المناخية المتطرفة والنزاعات في المنطقة.
وعلى سبيل المثال، قمنا في الصومال بتخصيص استثمارات محددة الوُجهة لدعم سبل العيش الرعوية. ونحن نعمل الآن على تحسين قطاع الأعلاف للتأكد من توفر احتياطيات من الأعلاف لدينا وتنويع مصادر الأعلاف التي لا تعتمد على مياه الأمطار فحسب، وإنما تلك التي يمكن ربطها بالري أيضًا. كما أننا نركّز جهودنا أيضًا على حماية صحة الحيوان كون الحيوانات التي تتمتع بصحة جيدة تتسم بقدرة أكبر على مقاومة الصدمات والأمراض ويمكنها بالتالي الاستمرار في إنتاج الحليب.
ويعتبر خفض الخسائر ما بعد الحصاد عاملًا هامًا آخر على صعيد بناء القدرة على الصمود ونقطة تحوّل حاسمة. وفي الوقت الحالي، تفقد المنطقة حوالي 4 000 000 طن من الحبوب سنويًا وهي كمية كافية لإطعام حوالي 30 مليون شخص. وهذا أمر هام للغاية. وقد شهدنا كيف أدى تأثير جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا إلى الإخلال بإمدادات الأغذية على مستوى العالم. وسيؤدي إنتاج المزيد من الأغذية محليًا إلى تقليل اعتماد المنطقة على الواردات الغذائية.
وعلاوة على ذلك، تتراوح قيمة المساعدات الغذائية في المنطقة بين 2 و2.5 مليارات دولار أمريكي سنويًا. ومن شأن استثمار نفس المبلغ في صوامع للحبوب وإدارة الخسائر في مرحلة ما بعد الحصاد أن يسمحا للمزارعين بسد الفجوة في احتياجاتهم الغذائية. وسنتمكّن بذلك من تقليل العبء على المساعدات الإنسانية والغذائية بشكل كبير مع تأثير طويل الأمد إذا استثمرنا المزيد في الحد من خسائر ما بعد الحصاد.
ونحن نبحث أيضًا في إمكانية إدخال تحسينات في قطاعي الأعلاف والمياه، وهو أمر يتطلب سياسات حكومية فعالة، واستثمارات من القطاعين العام والخاص، وبيئة مواتية، بالإضافة إلى إطار على نمط الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وبالإضافة إلى ذلك، نحاول أيضًا إيجاد حل دائم للنازحين على صعيد تنويع سبل العيش، والإدماج الاقتصادي، والعمالة لضمان إعادة دمجهم في القطاعات الإنتاجية.
وهذه هي المجالات الرئيسية التي ينصب عليها تركيزنا إلى أن تضرب موجة الجفاف القادمة. ونحن ننظر حاليًا في كيفية تجميع عدد كبير من التدخلات من أجل إحداث أثر تراكمي على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة.
التعليق على الصورة: أشخاص نازحون داخليًا أمام ملاجئهم المؤقتة في مخيّم راما كادي للنازحين داخليًا في بايدوا، الصومال.