نيروبي - تؤكد السيدة Carla Mucavi، ممثلة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في كينيا، على ضرورة تصعيد الجهود على وجه السرعة لتحسين قدرة المجتمعات الريفية والرعوية على الصمود في منطقة القرن الأفريقي حيث سيستمر تأثير الصدمات، بما فيها الجفاف الشديد، حتى عام 2022.
يعرف عن القرن الأفريقي تعرضه منذ القدم للصدمات المناخية ولانعدام الأمن. كيف تصفين الوضع حاليًا؟
يعيش القرن الأفريقي حاليًا نحو أربع صدمات تراكمية تتسبب في هشاشة الوضع هناك، وهي: الصراع، ومنسوب الأمطار الأدنى من المعدّل للموسم الثالث على التوالي. ثم لدينا طبعًا التأثيرات الاقتصادية المترتبة على جائحة كوفيد-19 وغير ذلك من تحديات على صعيد الاقتصاد الكلي - حيث ارتفعت الأسعار بشكل حاد في المنطقة - ناهيك عن أزمة الجراد الصحراوي وهي العامل الذي فاقم الوضع. وتتفاقم الصراعات الناتجة عن فعل البشر بصورة خاصة في كل من إثيوبيا والصومال وجنوب السودان، حيث يضطر الناس إلى مغادرة ديارهم. وهذا تهديد متكرر ومتزايد في المنطقة.
ثم هناك الصدمات المناخية التي تسارعت منذ عشرين إلى ثلاثين عامًا، سواء أمن حيث تواترها أم حجمها. وفي اللحظة الراهنة أكثر ما يقلقنا هي الظاهرة الشديدة المتمثلة بمنسوب الأمطار الذي يقلّ عن معدله المعتاد، والتي بدأت قبل عام من اليوم. فمنذ ذلك الحين، شهدنا ثلاثة مواسم متتالية من تساقط الأمطار الشحيح. والحقيقة أن موسمًا واحدًا من شح الأمطار لم يعد يرتب تأثيرات تذكر على سبل المعيشة. غير إن تراكم تلك المواسم هو الذي يبدأ بالتسبب بالحالة اليائسة التي نعيشها.
هل ترتبط هذه الأمطار الشحيحة بتغير المناخ؟
من دون شك. فنحن نشهد حالات مرتبطة بظاهرتي النينيو ولا نينيا وتناوبها، بشكل أكثر تواترًا. وتميل تلك الحالات إلى أن تكون أطول مدة كذلك.
أي هي المجتمعات الأكثر تضررًا في القرن الأفريقي؟ ولماذا؟
وفقًا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة عن الأضرار والخسائر لعام 2021، يكاد الجفاف يؤثر في القطاع الزراعي دون سواه؛ أما أخطر أعراض الأزمة المتصلة بالجفاف فتبدأ مع المجتمعات الرعوية التي تعتمد على الثروة الحيوانية.
ونعلم أيضًا أنه إذا لم تتوفر الأعلاف (الغذاء) للثروة الحيوانية، يتزايد سوء التغذية لدى الأطفال دون سن الخامسة بسرعة. فإن لم تحصل الحيوانات على العلف الكافي، لن يمكنها درّ الحليب. الأمر بهذه البساطة.
ونلاحظ أيضًا في كينيا، وسواها، تزايد الصراعات التي تنشأ بخصوص الموارد الطبيعية. وهي تنشب بين البشر والحيوانات البرية وأيضًا في ما بين المجتمعات المحلية. والرعاة هم الأكثر تضررًا للحقيقة، ويليهم المزارعون.
كيف يحصل ذلك؟
نعني بكلامنا هذا المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة ومجتمعات المزارعين والرعاة التي تعيش على هامش الأراضي الجافة وشبه الجافة والتي تمارس الزراعة لتوفّر الغذاء لنفسها ولعائلاتها.
وإذا لم يتمكن هؤلاء من تأمين الحد الأدنى من الحصاد، يعانون الأمرّين خلال ما يعرف بالموسم الأعجف. وتتجلّى المظاهر الحادة لسوء التغذية أو انعدام الأمن الغذائي، خلال الموسم الممتد من مارس/آذار إلى يونيو/حزيران حين يكون الناس قد استنزفوا المخزون المحدود من الأغذية الذي قد يملكونه. وسيكون عليهم الانتظار حتى موسم الحصاد في العام المقبل في يوليو/تموز ليحصلوا على إمدادات من الأغذية التي أنتجوها بنفسهم.
وفي ما بين الموسمين، من المرجح أن يضطروا إلى ابتياع الغذاء. والمؤسف أننا شهدنا زيادة ملموسة في أسعار الغذاء في السوق. وهذا أمر مقلق للغاية، إذ أظهرت البيانات أن الأسعار في جزء من المنطقة أمست أعلى مما كانت عليه أثناء المجاعة في الصومال عام 2011.
كم يبلغ عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي؟
ليست لدينا فكرة كاملة عن إثيوبيا حتى الآن، ولكن حين نرى اتجاهات انعدام الأمن الغذائي في أنحاء المنطقة، نجد أن عدد الأشخاص في كينيا والصومال الذين يفتقرون بشدة إلى الأمن الغذائي أو يعيشون أزمة أو ما هو أسوأ من ذلك (أي ما يعرف بالمرحلة 3 وما فوق من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي)، آخذ في الازدياد بالفعل. ففي كينيا، يعاني 1.5 ملايين شخص إضافي العوز الآن مقارنة بالعام الماضي. ومن ناحية أخرى، تفيد وحدة الأمن الغذائي وتحليل التغذية للمنظمة، عن تعرّض 1.4 ملايين شخص آخر للعوز في الصومال.
وأرقام الأشخاص المنكشفين على المخاطر لا تبدأ من الصفر. فإن هؤلاء الأشخاص الـ2.9 ملايين، فضلًا عن أولئك الذين في إثيوبيا، يضافون إلى الأعداد التي تعاني العوز أصلًا. ومن المرجح أن يزداد هذا الوضع سوءا مع انتقالنا إلى المواسم العجاف للرعاة والمزارعين الرعويين خلال النصف الأول من عام 2022.
أطلقت الأمم المتحدة مؤخرًا نداءً عاجلًا بشأن الجفاف في كينيا. كيف تستجيب الأوساط الإنسانية للحالة المقلقة هناك وفي بقية المنطقة؟
في الوقت الراهن، نهتم بثلاثة بلدان على وجه الخصوص وهي: كينيا والصومال وإثيوبيا.
تعاني الصومال وإثيوبيا للأسف أزمةً مزمنة، وهناك خطة استجابة إنسانية في عام 2021 لكل من هذين البلدين. غير أن الخطتين لم تحصلا على التمويل الكافي. ونحن نعمل الآن على خطتي الاستجابة الإنسانية لعام 2022 اللتين ستحتسبان الأعداد الإضافية من الأشخاص المعوزين الذين ذكرتهم للتو. ونحن بحاجة إلى شركائنا لتمويل هذه النداءات. ونحن نبدأ من موقع سلبي أساسًا لأننا لم نتمكن من مساعدة الناس بالمستوى المطلوب في عام 2021.
أما كينيا فوضعها مختلف بعض الشيء. فتحت الظروف العادية، كانت البلاد لتتمكن من استيعاب هذه الصدمات المناخية. غير أن تكرار الصدمات هو ما يؤدي في الواقع إلى إغراق البلاد في أزمة معيشية.
وقد أطلقت الأوساط الإنسانية مؤخرًا، بقيادة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، نداءً متعدد القطاعات ومتعدد الوكالات. ولكن قبل ذلك، في أغسطس/آب، أطلقت المنظمة مع حكومة كينيا نداء مشتركًا.
ومنذ أغسطس/آب، وفرنا للمجتمعات الرعوية 000 32 كيس من الأعلاف المكمّلة للمواشي (50 كيلوغرامًا لكل كيس) ومواد للعناية بصحة الحيوان في كينيا، و45 طنًا من المكعبات الغذائية للحيوانات في الصومال، و126 طنًا من كتل المغذيات المتعددة إلى 400 1 أسرة في إثيوبيا. فأسفر ذلك عن بقاء الثروة الحيوانية على قيد الحياة. بيد أن هذا لا يكفي.
هل يمكنك أن تخبرينا المزيد عن استجابة منظمة الأغذية والزراعة؟ لمَ الاهتمام الكبير بدعم سبل المعيشة في وقت يحتاج فيه الناس إلى الغذاء بصورة فورية؟
نريد الحؤول دون اضطرار أكبر عدد ممكن من الناس من الاتكال حصرًا على المعونة الغذائية. ومع أنها يجب أن تكون جزءًا من الاستجابة، فثمة عدد من الأمور التي يمكننا فعلها قبل ذلك، من أجل إنقاذ سبل معيشة الناس وبالتالي أرواحهم.
ويتعين علينا جميعًا الاعتراف بأن حماية سبل المعيشة في الريف عنصر أساسي للاستجابة الإنسانية العاجلة الفورية لهذه الأزمات، فضلًا عن سبل الدعم الأخرى المنقذة للحياة طبعًا.
وعلينا ضمان احتفاظ حيواناتهم بإنتاجيتها، بعبارة أخرى، استمرارها في درّ الحليب. وعلينا توفير الأعلاف أو كتل المعادن الغذائية للثروة الحيوانية. فإن الأعلاف الحيوانية التي نتيحها في كينيا مثلًا تتمثل في تركيبة خاصة نعرف، بالاستناد إلى أدلة صادرة عن المزارعين/الرعاة، أنها تساعد الحيوانات الواهنة على استعادة قوتها في غضون ثلاثة أيام. وعلينا أيضًا توفير المياه. كما علينا التأكد من خضوع الحيوانات للعلاجات المطلوبة. وهذا يعني معالجتها للتخلص من الديدان، ودعم الحيوانات الضعيفة بواسطة الفيتامينات المتعددة، وتلقيحها ضد الأمراض الحيوانية الشائعة.
أما المزارعون الذين يعانون من ضعف المحاصيل فيحتاجون هم أيضًا إلى استهلاك الغذاء. كما سيحتاجون إلى المبالغ المالية النقدية. ونحن نريد تجنيبهم بيع موجوداتهم (كالمعدات مثلًا) أو اعتمادهم لما يعرف باستراتيجيات المواجهة غير المستدامة، كتخفيض عدد الوجبات الغذائية أو منع أولادهم من الذهاب إلى المدرسة.
ما هي التوقعات لعام 2022؟ هل سيستمر الجفاف؟
نحن نعلم أن الضعف الكبير في منسوب الأمطار الآن سيؤدي إلى ارتفاع عدد المفتقرين إلى الأمن الغذائي في النصف الأول من عام 2022. ولا يزال الوقت مبكرًا للتنبؤ بما سيحصل ولكن شبكة الانذار المبكر بالمجاعة، وهي من شركائنا، تتوقع موسمًا آخر قليل الأمطار على الأرجح، يمتد من مارس/آذار إلى مايو/أيار.
لماذا تعتبرون العمل فورًا مهمًا جدًا؟
لا نملك ترف الاكتفاء بالتمني بأن يكون موسم الأمطار المقبل جيدًا وأن يبدأ من تلقاء نفسه بالتعويض عن الوضع الحالي المتردّي. فعلينا الاستعداد لتزايد عدد الأشخاص المنكشفين على المخاطر من الآن وحتى يونيو/حزيران 2022. ونحن نشهد منذ الآن الإشارات التي اتسمت بها أزمات مماثلة في الماضي، كأزمة 2016 وأزمة 2019. لذا، أؤكد أنه يتعين علينا أن نعمل فورًا. ونحن الآن في مرحلة التخفيف من تأثيرات قابلة لأن تكون أقوى بكثير. إن موجة الصدمة في طور التحضر. وبوسعنا، لا بل يتعيّن علينا، أن نحتويها.