ما هي حالة الجراد الصحراوي في شرق أفريقيا/كينيا حاليًا؟
السيد Cyril Ferrand:
إن حالة الجراد هادئة جدًا في الوقت الراهن. ولقد أعلنا انتهاء الفورة في المنطقة بأكملها لسببين اثنين: أولًا، أطلقنا حملة ضخمة ونشطة لمكافحة الجراد بالتعاون الوثيق مع الحكومات. وثانيًا، تعاني المنطقة من جفاف شديد، ما يعني أنّ الظروف لم تعد ملائمة لتكاثر الجراد الصحراوي. ولكن ذلك لا يعني أن المنطقة أصبحت خالية منه؛ ولا تزال المنظمة ترصد وجوده. ولقد عدنا إلى ما نسميه انحسار الجراد الصحراوي، ما يعني أن هذا الأخير ما زال موجودًا ولكنه تحت السيطرة بحيث لم يعد يمثل أي تهديد بالنسبة إلى المنطقة - لا في كينيا ولا في الصومال ولا في إثيوبيا.
السيدة Carla Mucavi:
كينيا خالية حاليًا من الجراد الصحراوي بعد غزوين متتاليين في عامي 2019 و2020. ولقد تمكّنا من التكاتف واحتواء هذين الغزوين. وتحقق ذلك بعد خلو البلاد من الجراد لمدّة 70 سنة. ولم يكن أحد مستعدًا لمواجهة غزو بمثل هذا الحجم. وكانت منظمة الأغذية والزراعة وكالة الأمم المتحدة الوحيدة التي تتمتع بالخبرة والمعرفة اللازمتين لمواجهة التحديات التي طرحها الجراد الصحراوي. وتمكّنا من حشد الخبرات والموارد الضرورية وتوفير التوقعات في الوقت المناسب من أجل مساعدة كينيا في مجال التدريب، والمراقبة، والمكافحة، ورشّ المناطق بمبيدات الآفات، مع التقليل قد المستطاع في الوقت نفسه من المخاطر التي تهدد المجتمعات المحلية ومحاصيلها.
ومع أن كينيا خالية حاليًا من الجراد الصحراوي، يجدر بنا أن نبقى متيقظين. فكما نعلم، الجراد الصحراوي هو آفة مهاجرة لا تعرف حدودًا، ولذلك علينا أن نبقى حذرين وأن نواصل أنشطة المراقبة والمكافحة.
كيف تمت مكافحة الجراد الصحراوي؟ وما كان دور المنظمة في ذلك؟
السيد Cyril Ferrand:
تمثلت المشكلة التي واجهناها في عدد من البلدان، ولا سيما في تلك غير الموجودة على خط المواجهة مثل كينيا، في افتقار هذه البلدان إلى القدرات المناسبة لمواجهة التهديد. وكما تعلمون، من الصعب جدًا المحافظة في أي بلد حول العالم على القدرة على الاستجابة لصدمة تطرأ مرّة فقط كل 70 سنة كما هي الحال في كينيا. وعلى سبيل المقارنة، لم يكن العالم مهيأً لجائحة كوفيد-19 لأنها كانت ظرفًا غير عادي يظهر للمرّة الأولى. ولقد كان الوضع مماثلًا هنا إلى حد ما: فعندما لا يحدث غزو لفترات طويلة من الزمن، تظهر فجوة بين الأجيال في مجال الخبرات ويصبح من الصعب استثمار الموارد استعدادًا لشيء يُستبعد حدوثه، وبخاصة إذا كانت هناك أولويات متعارضة مثل الجفاف والفيضانات وغير ذلك من صدمات.
أما بالنسبة إلى المنظمة، فقد قامت بتهيئة حد أدنى من القدرات لكي تجري الحكومات عمليات مسح ومكافحة. وقمنا بتدريب 3 800 شخص في المنطقة بكاملها على كيفية استخدام التطبيقات المبتكرة مثل تطبيق eLocust3 من أجل التعرّف على الجراد الصحراوي والإبلاغ عنه. وساعدنا الحكومات على إنشاء مكتب وطني للمعلومات عن الجراد من أجل إدارة البيانات اللازمة للعمليات الميدانية اليومية. وقمنا أيضًا بشراء المركبات والدراجات النارية لتكون الحكومات أكثر قدرة على الحركة. واشترينا أيضًا مبيدات للآفات ووفّرنا للناس معدات حماية بضمان سلامتهم بما شمل الأقنعة، والقفازات، والملابس الفوقية، والنظارات. وأخيرًا، استأجرنا عددًا من الطائرات والمروحيات لزيادة القدرة على المراقبة والمكافحة.
السيدة Carla Mucavi:
تحقق ذلك بفضل تضافر الجهود والعمل الجماعي والتنسيق الجيّد من جانب المنظمة تحت القيادة القوية للحكومة. وشكّلت مكافحة الجراد الصحراوي مهمة معقدة، وتطلّب حجم الغزو بالفعل توافر الكثير من الموارد. وعملنا بالتعاون الوثيق مع الحكومة الوطنية والمقاطعات على المستوى الوطني الفرعي، وكذلك مع المجتمعات المحلية والصحافة لرفع مستوى الوعي حول هذا الوضع. واضطرت المنظمة إلى تدريب الأشخاص، ولا سيما الشباب، على كيفية استخدام التكنولوجيات الجديدة مثل تطبيق eLocust3 ليتمكنوا من الإبلاغ عن فورة الجراد.
وقامت حكومة كينيا، بدعم من المنظمة، بإدارة الموجتين الأولى والثانية من غزو الجراد الصحراوي. وجمعت المنظمة مبلغًا قدره 24 مليون دولار أمريكي من 18 جهة مانحة واستخدمته لشراء مبيدات الحشرات والمركبات ومعدات الرش وإتاحة الموارد البشرية. وفي ما يتعلّق بالعملية، تم استخدام الموارد لتيسير أنشطة المسح والمكافحة ولمواصلة دعم تعافي سبل كسب العيش. وبحلول نهاية الموجتين، كان قد جرى مسح ما مجموعه 19 مليون هكتار من الأراضي ورش (معالجة) 212 000 هكتار منها. وسمح الرش بحماية 320 000 هكتار من الأراضي التي كان من الممكن أن يغزوها الجراد. وتُظهر هذه البيانات الدور الذي اضطلعت به المنظمة في إنقاذ المحاصيل والأرواح. وسمحت جهود المكافحة بتجنّب خسارة المحاصيل في أكثر من 11 000 هكتار من الأراضي التي تبلغ قيمتها حوالي 3.4 ملايين دولار أمريكي. ونتيجة لذلك، تمكّن أكثر من 75 000 شخص من تلبية احتياجاتهم السنوية من الحبوب، وحوالي 5 500 أسرة من إطعام ماشيتها وإنتاج الحليب من أجل تحسين تنوع الأنماط الغذائية والتغذية.
هل انطوت الاستجابة في شرق أفريقيا على حماية سبل كسب العيش أيضًا؟
السيد Cyril Ferrand:
نعم، لقد استعرضنا الدروس المستفادة من فورة 2003-2005 في غرب أفريقيا حيث تمثلت إحدى التوصيات في ضرورة ألا نركّز فقط على المراقبة والمكافحة بل أن نستثمر أيضًا في حماية سبل كسب العيش. وفي الماضي، كانت تتخذ هذه الإجراءات واحدة تلو الأخرى بطريقة متسلسلة. ولكننا تعلّمنا أنه يجب اتخاذها بطريقة متزامنة. فتوافر مساحات أقل لرعي الماشية يعني توافر كميات أقل من اللحوم والحليب للأطفال دون سن الخامسة بشكل خاص. وتمكّنا من تجنّب خطر سوء التغذية من خلال التدخلات في مجال سبل كسب العيش وتوزيع العلف للحيوانات والبذور، ومن خلال التحويلات النقدية إلى الأشخاص المتضررين. واتسمت المساعدات النقدية بأهمية كبيرة لاستقرار سبل كسب العيش حيث أنها أتاحت للأشخاص، ولا سيما للذين فقدوا محاصيلهم، وسيلة لشراء الأغذية.
هل تحدث فورات الجراد الصحراوي بشكل منتظم؟ وهل يمكن تجنّبها في المستقبل؟
السيد Cyril Ferrand:
فورات الجراد ليست دورية بالرغم ممّا يعتقده الكثيرون؛ ولكن يمكن للجراد الصحراوي أن يعود دائمًا. وبالتالي، تتسم نظم المراقبة والإجراءات المبكرة بأهمية بالغة. وهناك احتمال أن يتكاثر الجراد الصحراوي في حال كانت الظروف المناخية مؤاتية لذلك وفي حال لم تجرِ البلدان مسحًا للمناطق. وكلما ازدادت عمليات المسح، كلما تراجع خطر التكاثر غير الملاحظ. وإنّ قدرات المراقبة متوافرة حاليًا. ولكن من الممكن أن يعود الجراد الصحراوي إذا تكاثر في المناطق التي لا يجري مسحها أو مراقبتها لأسباب أمنية بشكل أساسي، وليس لعدم توافر قدرات المراقبة في بلدان مثل اليمن وبعض مناطق الصومال.
كيف يساعد النهج الاستباقي للمنظمة على تجنّب أزمات الجراد الشديدة وغيرها من الصدمات؟
السيد Cyril Ferrand:
ليست أفريقيا الشرقية بشكل خاص بمنأى عن الصدمات سواء أكانت من صنع الإنسان أو كوارث طبيعية – فنحن نشهد صراعات وعمليات نزوح وموجات جفاف في إثيوبيا وكينيا والصومال، وفيضانات في جنوب السودان. كما أننا نشهد ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار السلع الغذائية، ولو أن ذلك يحصل على المستوى العالمي بالطبع. وفي ظل اقتران مجموعة من العوامل، يكتسي بناء القدرة على الصمود أهمية قصوى. وليس سكان المناطق الريفية بشكل خاص بمنأى عن الصدمات. ففي السنوات العشر الماضية في المتوسط، لم يحظوا أبدًا بسنة كاملة من دون التعرّض لصدمة ما. وذلك يعني أنه إن لم يجر العمل بشكل استباقي وفقًا لخطة واضحة للقدرة على الصمود، يصبح احتمال تأثر الأشخاص بالصدمات كبيرًا.
وعلى سبيل المثال، إن لم تتم حماية الرعاة من الجراد الصحراوي أو الجفاف، سوف تفتك الآفة بالمراعي وستنفق الحيوانات. وعندما يفقد الرعاة أصولهم الإنتاجية، يصبح احتمال عودتهم إلى ممارسة نشاط منتج شبه معدوم. فتستغرق عملية إعادة تكوين الأصول خمس سنوات على الأقل يمكن خلالها التعرّض لصدمة أخرى. ويهدف العمل الاستباقي تحديدًا إلى حماية سبل كسب العيش والوقاية من الخسائر الكبيرة في الأصول المنتجة.
السيدة Carla Mucavi:
لقد ساعدت المنظمة بالفعل حكومة كينيا على بناء القدرات المتوافرة حاليًا لتتمكن من مواجهة غزوات مماثلة في حال تكرارها. وتمكنت المنظمة بالتعاون الوثيق مع الحكومة، من إنشاء الهياكل والقدرات، وتنظيم الفرق الميدانية، وحشد الموارد، وتوسيع نطاق التدريب وإجراءات الإبلاغ. ونحن بحاجة إلى التعامل مع آثار تغيّر المناخ التي تزداد جسامة وشدّة. ويتمثل السبيل الوحيد للتخفيف منها في استخدام نظم الإنذار المبكر التي تمكننا من الكشف مسبقًا عن الكوارث والتحرّك في أقرب وقت ممكن.
ما هي حالة الجفاف حاليًا في القرن الأفريقي؟
السيد Cyril Ferrand:
يمثل الجفاف كارثة في المنطقة. وهذه ليست المرّة الأولى التي يضرب فيها الجراد هذه المنطقة. ففي عام 2011، شهدنا إحدى أشدّ موجات الجفاف في المنطقة التي أدّت إلى وفاة 260 000 شخص في الصومال وحدها. وفي ذلك الحين، قلنا إن الإنذار المبكر لم ينجح وتعلّمنا الدرس من ذلك. وضربت موجة الجفاف الثانية في الفترة 2016-2017 وكان المجتمع الدولي في حينها لا يزال إلى حد كبير تحت صدمة الفشل. فتحرّك الجميع بسرعة – وأعيد تحديد أولويات جميع البرامج الإنمائية واستجاب المانحون على نطاق واسع. وعندئذ، تجنّبنا وقوع الكارثة.
وهذه المرّة، كان التنبيه موجودًا وتم تشغيل جميع نظم الإنذار وقد عملت بشكل جيد. وأعلنت كينيا حالة الطوارئ الناجمة عن الجفاف في سبتمبر/أيلول 2021؛ والصومال في أبريل/نيسان 2021، أي منذ أكثر من سنة. ولكنّ التمويل لم يكن كافيًا لمواجهة ضخامة الأزمة.
وكانت الآثار مأساوية. فقد تضرر 15 مليون شخص بالفعل من الجفاف في كل من إثيوبيا وكينيا والصومال. ولقد انقضى 85 في المائة من موسم الأمطار الطويلة ولكن المنطقة لم تتلق سوى 50 في المائة من كمية الأمطار. وبات من الواضح أن المنطقة تواجه الموسم الرابع على التوالي الذي تقلّ فيه كمية الأمطار عن المعدل. ولم نشعر بعد بالتأثير الكامل للأزمة الأوكرانية الذي سيتجلّى خلال النصف الثاني من العام في الأسعار والأغذية وإمدادات الأسمدة على حد سواء. والآتي أعظم، حيث أن المنطقة ستكون في وضع مأساوي بحلول نهاية العام بسبب الآثار التراكمية لجميع الصدمات.
السيدة Carla Mucavi:
ضرب الجفاف المقاطعات والمناطق نفسها التي سبق أن انتشر فيها الجراد الصحراوي. وزاد الوضع سوءًا بسبب آثار جائحة كوفيد-19 على البلاد. ففي كينيا، تعاني 17 من أصل 23 مقاطعة حاليًا من آثار الجفاف. ونحن نشعر بمعاناة المجتمعات الريفية. ولقد فقد معظم الرعاة والمجتمعات الزراعية الرعوية الأصول والماشية وسبل كسب العيش. وموجة الجفاف هذه شديدة بالفعل وتزداد حدّة بسبب آثار تغيّر المناخ. وهناك الآن حوالي 3.5 ملايين شخص متضررين وسيزيد هذا العدد ما لم تتحسن الأوضاع. ونحن نعمل في منظمة الأغذية والزراعة جنبًا إلى جنب مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى، على الاستجابة لحالة الطوارئ هذه.
وتسخّر المنظمة ما لديها من خبرات لإنقاذ الماشية بما أنها مصدر الغذاء والدخل الوحيد بالنسبة إلى مجتمعات ريفية عديدة. كما أنّنا نعمل على توفير كتل الأعلاف واللقاحات للحيوانات وترميم مستجمعات المياه. ويتم ذلك بالاقتران مع تحويلات نقدية غير مشروطة من أجل إعطاء المجتمعات المحلية قدرًا من الموارد وتمكينها من تنويع أنماطها الغذائية. ولكن الأمر ليس سهلًا، إذ أن التمويل غير متوفر للاستجابة بفعالية لحالة الطوارئ الناجمة عن الجفاف بالرغم من إطلاق الأمم المتحدة عدة نداءات لصالح كينيا.