بانكوك- في ندوة تعقدها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) بشأن تحويل النظم الزراعية والغذائية في آسيا والمحيط الهادئ، يجري حثّ الحكومات والقطاع الخاص وأصحاب المصلحة الآخرين على تسريع وتيرة تحويل نظمهم الزراعية والغذائية على نطاق واسع، أو مواجهة خطر تفاقم سوء التغذية والتدهور البيئي في أكثر أقاليم العالم اكتظاظًا بالسكان.
ويؤدي ارتفاع أسعار الأغذية، وموجات الفيضانات والجفاف، وندرة المياه، وتزايد الكوارث المتصلة بالمناخ والجائحة العالمية والصراعات، إلى انعدام الأمن الغذائي في مختلف أنحاء الإقليم. وتؤثر هذه التحديات بشكل مباشر على أضعف الفئات السكانية، بما في ذلك المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة وغيرهم من السكان الذين يعتمدون على الأرض لكسب عيشهم وملايين فقراء المناطق الحضرية.
وقد تضافرت التغيرات في أنماط تساقطات الأمطار، الحاسمة الأهمية بالنسبة إلى الزراعة في هذا الإقليم الذي يعتمد على الأمطار الموسمية، وفي مدى تواتر تفشي الآفات والأمراض وتوقيتها، لتؤدي إلى انخفاض الغلال. والجدير بالذكر أن إقليم آسيا والمحيط الهادئ يسجّل أصلًا 60 في المائة من حالات الوفيات على المستوى العالمي، و40 في المائة من الخسائر الاقتصادية الناجمة عن هذه الأخطار والمخاطر المتعددة.
وباختصار، فإنّ النظم الزراعية والغذائية المعقدة في الإقليم ترزح تحت وطأة ضغوط هائلة.
إقليم آسيا والمحيط الهادئ في مقدمة الأقاليم المستهدفة عقب قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية
لقد تعهّد قادة العالم، العام الماضي، في خضم حالة التخبّط الناجمة عن الجائحة العالمية، بتحويل نظمهم الزراعية والغذائية لجعلها أكثر كفاءةً وشمولًا وقدرة على الصمود واستدامة.
وقال السيد شو دونيو، المدير العام للمنظمة، في الكلمة التي وجهها في بداية الندوة الخاصة بإقليم آسيا والمحيط الهادئ والتي دامت ثلاثة أيام وهي الأولى من نوعها على المستوى العالمي منذ انعقاد قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية، وتهدف إلى تحويل النظم الزراعية والغذائية بسرعة في هذا الإقليم الكبير، إنّ تحوّل الإقليم يقتضي التركيز على النتائج التي تؤدي إلى إنتاج أفضل، وتغذية أفضل، وبيئة أفضل، وحياة أفضل للجميع، وضمان عدم ترك أي أحد خلف الركب.
وحدّدت المنظمة أربعة مجالات ذات أولوية يتعين فيها تسريع وتيرة العمل، وهي:
1- تقديم الدعم الفوري للسكان الضعفاء من خلال نظم الحماية الاجتماعية، ولا سيما في المناطق الريفية وضمن المجموعات السكانية الضعيفة؛
2- وتعزيز الإنتاج الزراعي عن طريق ضمان حصول صغار المزارعين على البذور والأسمدة بأسعار ميسورة، ورأس المال العامل والمساعدة الفنية، والنفاذ إلى الأسواق؛
3- وتيسير التجارة في المنتجات والمدخلات الزراعية لمنع حدوث مزيد من الاختلالات في إنتاج الأغذية؛
4- والاستثمار في الزراعة القادرة على الصمود أمام تغير المناخ من أجل التصدي لآثار أزمة المناخ وعكس مسارها.
ودقّ المدير العام ناقوس الخطر، محذرًا من أنّ أهداف التنمية المستدامة لن تتحقق ما لم تكن هناك إرادة جماعية لدحر الجوع، على سبيل الأولوية، في إقليم بات في مرحلة ما بعد الجائحة.
وأشار السيد شو دونيو إلى أن الأزمات الجارية، بما فيها آثار جائحة كوفيد-19 وموجات الجفاف والفيضانات والصراعات والحروب، قد أدت إلى حدوث اضطرابات طالت إمدادات العالم من الحبوب والسلع الأساسية الأخرى؛ الأمر الذي أدى، حسب قول المدير العام للمنظمة، إلى "حدوث انكماش اقتصادي وفقدان الوظائف، ما أسفر بدوره عن ارتفاع معدلات انتشار نقص التغذية من 8 في المائة إلى قرابة 10 في المائة خلال السنة الأولى من الجائحة، وتزايد عدد الذين يعانون من نقص التغذية الآن بنحو 150 مليون شخص. وتسجّل غالبية هذه الزيادة في إقليم آسيا والمحيط الهادئ، ما يمثل حوالي 85 مليون شخص إضافي يعانون من الجوع، إضافة إلى أفريقيا وأمريكا اللاتينية". "ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة، يتعين علينا إحداث تحوّل كبير - تحوّل يبدأ بتحويل نظمنا الزراعية والغذائية لضمان قدرتها على تلبية احتياجات جميع أصحاب المصلحة والمستهلكين في الحاضر والمستقبل".
إقليم آسيا والمحيط الهادئ يتراجع بشكل خطير عن مسار تحقيق أهداف التنمية المستدامة
وفقًا للتقرير المرحلي الأخير بشأن أهداف التنمية المستدامة لإقليم آسيا والمحيط الهادئ لعام 2022 الصادر عن الأمم المتحدة، فإن الإقليم لا يسير في الاتجاه الصحيح، وقد يحتاج لتحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة البالغ عددها 17 هدفًا حتى عام 2065، وهو تأخير مدته 35 عامًا.
وقد تضافرت الاضطرابات الأخيرة التي طالت سلاسل الإمدادات وحياة السكان وسبل عيشهم، لتؤدي إلى أزمة عنوانها "الافتقار إلى الأغذية والأعلاف والوقود والأسمدة والتمويل"، وتشير التوقعات إلى إمكانية تقلّص إنتاج الحبوب في العام المقبل بسبب نقص الأسمدة في بعض بلدان الإقليم.
ولكنّ هذا التراجع قد سبق حتى تفشي الجائحة، فقد حذرت إصدارات سنوية متتالية لتقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم من فشل مكافحة الجوع وسوء التغذية في هذا الإقليم. وفي عام 2021، كان أكثر من 400 مليون شخص في آسيا والمحيط الهادئ يعانون من سوء التغذية، معظمهم في جنوب آسيا حيث عجز 40 في المائة من السكان كافة عن تحمّل كلفة نمط غذائي صحي.
حان الوقت في آسيا والمحيط الهادئ لتسريع وتيرة تحويل النظم الزراعية والغذائية، لكيلا يُترك أي أحد خلف الركب
يعيش أكثر من 80 في المائة من أصحاب الحيازات الصغيرة والمزارعين الأسريين في العالم بالاعتماد على الأراضي لكسب سبل العيش في إقليم آسيا والمحيط الهادئ، وقد أحيط المشاركون في الندوة علمًا بأنه لا بدّ من حماية مصالحهم وسبل عيشهم من خلال تدابير تشمل شبكات الأمان الاجتماعي وبرامج اكتساب مهارات جديدة من أجل تحسين فرص العمل. ودعت المنظمة إلى اتخاذ إجراءات جريئة لتحويل النظم الزراعية والغذائية في الإقليم، مشيرة إلى إنه يجب على الحكومات أن تتحلى بروح القيادة؛ وعلى القطاع الخاص في آسيا والمحيط الهادئ أن يوسّع قاعدة عملائه لتوفير حلول ميسورة الكلفة لأصحاب الحيازات الصغيرة؛ وعلى المجتمع المدني أن يعمل على نحو أكثر استباقية مع واضعي السياسات والقطاع الخاص؛ وعلى الأوساط الأكاديمية أن تسرّع وتيرة بحوثها بينما يجب على الشركاء في الموارد أن يجعلوا من هذا التحوّل أولويةً قصوى، والمنظمة ملتزمة بمساعدة أعضائها والشركاء على تحقيق هذه الأهداف.