يقدم تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم كل عام آخر التطورات المتعلقة بالتقدم المحرز أو التراجع في تحقيق هدف القضاء على الجوع بحلول عام 2030. ويشير تقرير عام 2024 إلى أن ما بين 713 و757 مليون شخص تعرضوا للجوع في عام 2023. كما أنه يكشف أن نسبة 28.9 في المائة من سكان العالم، أي حوالي 2.33 مليار نسمة، معرضون لانعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد، وهو رقم بقي ثابتًا تقريبًا على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة.
واستمرت التفاوتات الإقليمية الملحوظة رغم بعض التحسينات منذ الذروة المسجلة في فترة جائحة كوفيد-19. ولا تزال أفريقيا الأكثر تضررًا حيث يطال الجوع 20.4 في المائة من السكان، في حين أظهرت أمريكا اللاتينية، لا سيما أمريكا الجنوبية، أكبر قدر من التحسن (6.2 في المائة من السكان)، وفقًا للدكتور Máximo Torero، رئيس الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة).
وبحث الدكتور Torero، أثناء مقابلة أجراها مع غرفة الأخبار التابعة للمنظمة، في الأسباب الكامنة وراء الفروقات الإقليمية وتناول النُهج الصارمة المستخدمة لجمع البيانات الواردة في التقرير وتحليلها، كما أنه شدّد على أهمية التحالف الجديد لمجموعة العشرين لمكافحة الفقر والجوع، وناقش المسار الحالي تجاه تحقيق الأمن الغذائي للجميع حاضرًا ومستقبلًا.
ما هي العوامل التي تساهم في جعل أفريقيا أكثر الأقاليم تأثرًا بالجوع؟
من المهم التمعن في تفاصيل ما يحدث. وبالمقارنة بين أفريقيا وأمريكا الجنوبية، نرى فارقًا رئيسًيا وهو أن أمريكا الجنوبية تقوم باستثمار قدر كبير من مواردها في برامج الحماية الاجتماعية. وتقوم هذه البرامج المتطورة بتمكين التدخلات المحددة الأهداف التي تحد من الجوع بفعالية وسرعة بفضل كفاءتها.
أما في حالة أفريقيا، فلم نر الإمكانات الضرورية لتوفير برامج الحماية الاجتماعية الفعالة والمحددة الأهداف. وعلاوة على ذلك، يتأثر الإقليم أكثر من غيره بالنزاعات وتغير المناخ وحالات الانكماش الاقتصادي، وهو يضم حاليًا أكبر عدد من البلدان التي تواجه أزمة غذائية بسبب تلك الدوافع الأساسية الثلاثة، حيث يشكل النزاع العامل الرئيسي.
فضلًا عن ذلك، يواجه هذا الإقليم تحديات مالية بالغة، لا سيما في ما يتعلق بإمكانية الحصول على التمويل. وتعاني الكثير من بلدان الإقليم من ضائقة الديون، ممّا يحد من مواردها ويعيق تنفيذ السياسات الضرورية لتسريع مساعي الحد من الجوع.
إذن، في حالة أمريكا الجنوبية، هل يشكل الاستثمار في برامج الحماية الاجتماعية درسًا يجب على سائر العالم الاستفادة منه؟
بالتأكيد، هذا أحد الدروس التي علينا تعلمّها من أمريكا اللاتينية، وخاصةً أمريكا الجنوبية. فلدى البرازيل وكولومبيا وبيرو وشيلي نظم حماية اجتماعية متينة قائمة، تمكّن هذه البلدان من الاستجابة بسرعة للتغييرات ومن توجيه مواردها المالية المتاحة بكفاءة، لا سيما في ظل القيود المالية الحالية التي يواجهها الجميع.
ويمكن لهذه البلدان، من خلال تبني نهج فعال، استهداف السكان الأكثر ضعفًا. بالإضافة إلى ذلك، يتعافى الإقليم بسرعة من جائحة كوفيد-19 مقارنةً بأنحاء أخرى من العالم. ويشكّل هذا التعافي عاملًا هامًا وراء التغيرات الإيجابية التي نلاحظها هناك. ونحن نتكلم عن انتشال أكثر من 5 ملايين شخص من الجوع في السنوات الثلاث الأخيرة.
وهذا تطور كبير يعيد الإقليم إلى مستويات ما قبل جائحة كوفيد-19، وهو تمامًا ما نسعى إليه.
هل يمكن أن يؤدي تغيّر المناخ إلى عكس بعض هذه الاتجاهات الإيجابية في الإقليم؟
لقد تجاوزنا بالفعل ستة من أصل تسعة حدود متاحة على كوكب الأرض. فما معنى ذلك؟ هذا يعني أن تواتر الظواهر البيئية المتطرفة سيزداد. وبالرغم من التحسن الملحوظ الذي شهدته أمريكا الجنوبية، لا يزال أمامها مجال كبير لتحقيق المزيد من التقدم. ومع أنه لدى الإقليم مؤسسات وبرامج اجتماعية متينة كالتحويلات النقدية المشروطة، لا بد من أن تواصل التقدم وعدم الاكتفاء بالنجاحات التي أحرزتها.
لماذا؟ لأننا بحاجة إلى خطة للتحويلات النقدية المالية المشروطة يتطور فيها الاستهداف وفقًا لمكان حصول الصدمات. فلا يتعلق الأمر فقط بإعطاء المال للأشخاص ذاتهم كما في السابق، إنما بتوجيهه إلى من هم أكثر ضعفًا، بحسب نوع الصدمة التي نواجهها. وتسعى المنظمة جاهدة إلى إيجاد طرق أفضل للتحديد المسبق لمكان الصدمات التي ستؤثر على البلدان المختلفة ونوع تلك الصدمات.
وثمة مجال واسع لمزيد من التحسين وأيضًا لاكتساب الكفاءة، وقد تعلمنا الكثير من التجارب السابقة، لكن يجب على الإقليم أن يواصل تعلّمه. فنحن نعيش في عالم تزداد فيه أوجه الضعف؛ عالم مليء بالمخاطر وعدم اليقين وتغيّر المناخ. ولن نتأثر فقط بحالات الجفاف والفيضانات والتقلبات المناخية التي تجعل عملية اتخاذ القرار أصعب، بل أيضًا بالأمراض والآفات التي ستتطور.
ونحن نشهد على ذلك في العالم اليوم، ولكن يجب علينا أيضًا اعتبار نزوح الأنواع والبشر. وينبغي علينا العمل على ذلك. كما من الهام أن نشير إلى أن أمريكا اللاتينية هي، ضمن إقليم أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، المنطقة التي تحقق النتائج الأفضل. وعلى أمريكا الوسطى قطع طريق طويل قبل تحقيق تحسينات هامة، وعلى منطقة البحر الكاريبي فعل الكثير لكي تعزز قدرتها على الصمود، لأن هذه المناطق هي التي ستتأثر بتغيّر المناخ أكثر من غيرها وهي أيضًا المناطق الأكثر اعتمادًا على الواردات الغذائية.
باختصار، الإقليم غير متجانس، وعلينا أن نعمل لتسويته وتسريع الآلية الضرورية للاستعداد لعالم سيتغير في ظلّ تواتر الظواهر والصدمات المناخية.
بالعودة إلى نتائج التقرير الرئيسية، هل يمكنك أن تخبرنا عن أهمية مؤشر القدرة على تحمّل كلفة الأنماط الغذائية الصحية وشرح التغيّرات التي طرأت على البيانات مقارنة بالعام الماضي؟
نحن لا ننظر في تقييمنا لانعدام الأمن الغذائي إلى الجوع فقط أو إلى نقص التغذية المزمن، بل أيضًا إلى زيادة الوزن والسمنة. وتكمن أهمية القدرة على تحمل كلفة الأنماط الغذائية الصحية في إمكانية توفير المغذيات الكلية والدقيقة المتنوعة (الفاكهة والخضار والبروتينات) الضرورية لتجنب كل من نقص التغذية المزمن ومخاطر زيادة الوزن والسمنة.
والجدير بالذكر أننا خلال هذا العام قمنا بتنقيح شامل للسلسلة المتعلقة بالحصول على الأنماط الغذائية الصحية. ومن المهم الإشارة إلى أنه لا يمكننا استخدام سوى الأرقام المنقحة الواردة في تقرير هذا العام للحصول على مقارنة دقيقة. وليس باستطاعتنا المقارنة مع الأرقام الواردة في إصدار العام الماضي من تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية.
ولقد قمنا هذا العام بإجراء ثلاثة تحسينات رئيسية. أولًا، حدّثنا الأسعار بسبب التغيّرات الجوهرية في الأعوام الأخيرة، باستخدام بيانات البنك الدولي الجديدة عوضًا عن معلومات برنامج المقارنة الدولي لعام 2017، ممّا أتاح لنا تحديث أسعار المواد الغذائية الفردية ضمن السلّة التي نشير إليها بتسمية "النمط الغذائي الصحي الأدنى كلفة".
ثانيًا، وسّعنا سلسلة البلدان التي تتوفر فيها المعلومات، واستخدمنا تقنيات الاستكمال الداخلي، ممّا سمح لنا بملء البيانات الناقصة بالتكاليف المقدرة للأنماط الغذائية الصحية بالنسبة إلى تلك البلدان.
ثالثًا، أضفنا عوامل إضافية لإبراز التنوع بين الأقاليم بشكل أفضل لناحية استهلاك نمط غذائي صحي والاستهلاك غير الغذائي. ويشكل هذا الأمر نقطة حيوية نظرًا إلى التفاوت الكبير في النسب بحسب مستويات الدخل. على سبيل المثال، تخصص الفئات السكانية ذات الدخل المتوسط حصة أكبر من نفقاتها للمواد غير الغذائية مقارنة بالمواد الغذائية، بينما تخصص الفئات السكانية الأفقر نسبة أعلى بكثير من نفقاتها الإجمالية على الأغذية. ويتيح لنا هذا التنقيح مراعاة الاختلافات بين الأقاليم والبلدان، وتتمثل النتيجة في مؤشر أكثر دقة وموثوقية.
وتشير تقديراتنا الحالية نتيجة لهذه التنقيحات، إلى أن 2.8 مليارات شخص يفتقرون إلى هذا النمط الغذائي الأدنى كلفة. وقد تحسن هذا الرقم المرتفع بما يثير القلق بشكل طفيف مقارنة مع السنوات السابقة، ممّا يبيّن الحاجة الماسة إلى اتخاذ إجراءات. ويجدر بنا أن نغير نموذج تكاليف الأغذية الباهظة والدخل غير الكافي، من خلال معالجة القضايا في كل من جانبي العرض والطلب.
وذلك لأن هذه المسألة لا تخص فقط جانب العرض (إنتاج الأغذية وإتاحتها)، ولكنها تعني أيضًا جانب الطلب (دخل الأشخاص وقوّتهم الشرائية). ونحن نبذل الجهود بهذا الشأن ونسعى إلى تقديم توصيات قد تساعدنا في التخفيف من هذه المشكلة قدر الإمكان.
لقد تطرقت للتو إلى جانب حاسم، هو التغذية. ماذا يفيدنا به تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم بشأن توقعات مقاصد التغذية لهذا العام؟
الخبر الجيد أنه ثمة تحسن في معدلات التقزم والهزال والرضاعة الطبيعية الخالصة، حيث ظهرت مؤشرات أفضل من الأعوام السابقة.
لكن رغم هذا التحسن، لا يحدث التقدم بالوتيرة المطلوبة. مثلًا، عند تفحص التقزم، نكتشف أن نصف بلدان العالم ليست على المسار الصحيح لتحقيق المقاصد المحددة، وأن ثلثي البلدان خارج المسار بالنسبة إلى مؤشر الهزال، و40 في المائة خارج المسار بما يخص الرضاعة الطبيعية الخالصة.
من الواضح إذًا أنّ مواصلة تنفيذ السياسات القائمة لم يعد كافيًا، إنما يجب تكثيفها لتحقيق المقاصد والأهداف المحددة.
وثمة مؤشر أداؤه ضعيف جدًا، وهو الوزن الزائد والسمنة. وفي حالة الوزن الزائد، فإنّ 60 في المائة من البلدان خارج مسار تحقيق الأهداف بالنسبة إلى الأطفال دون سنّ الخامسة.
ويزداد هذا المؤشر سوءًا، لا سيما في الأقاليم حيث يتحسن فيها وضع الجوع. مثلًا في أمريكا الجنوبية، نرى زيادة ملحوظة في حالات الوزن الزائد. ولذلك علينا مواصلة العمل على هذه المسألة وعدم التركيز فقط على زيادة الوزن بل أيضًا على السمنة، التي تبينّ أنها ازدادت تدريجيًا خلال العشرية المنصرمة، حيث ارتفعت من نسبة 12.1 في المائة (591 مليون شخص) في عام 2012 إلى حوالي 15.8 في المائة (881 مليون شخص) في عام 2022.
من الواضح إذًا أنه ثمة هامش كبير للتحسين في المجالين كليهما. ويجب علينا تكثيف الجهود لمعالجة التقزم والهزال والرضاعة الطبيعية الخالصة، وفي الوقت نفسه تحسين الحد من زيادة الوزن والسمنة بشكل كبير. وهنا تكمن أهمية مؤشر الحصول على أنماط غذائية صحية.
هل بإمكانك شرح كيفية معالجة كل هذه البيانات في سبيل إنتاج تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم؟ وهل هناك قيود أو تحيزات علينا مراعاتها عند القيام بتفسير هذه البيانات؟
يجدر بنا توخي الدقة عند التعامل مع أرقام تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم. وكما أشرت إليه سابقًا، نقوم بإعادة بناء السلسلة بشكل كامل كل عام، والسبب وراء ذلك بسيط: نتلقى كل عام مزيدًا من البيانات من البلدان، بما في ذلك بيانات محدثة قد تتطلب حتى تنقيح أرقام الأعوام السابقة عند إتاحة الملاحظات الجديدة.
ولهذا السبب، لا يمكننا مقارنة أرقام عام 2024 مع أرقام عام 2023 أو بيانات أي عام آخر. ومن الضروري الإشارة إلى السلاسل الزمنية الكاملة المنشورة في تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم.
ثانيًا، يجب علينا أن نتوخى الحذر في ما يتعلق بالتعاريف التي نستخدمها. ففي تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم، نقيس النقص التغذوي المزمن، ونشير إليه على أنه الجوع. ولا نقيس انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهو نقص الحصول على الأغذية الكافية على المدى القصير، والذي يتم تقييمه في حالات الطوارئ. والنقص التغذوي المزمن هو أكثر مسألة تخص المدى المتوسط إلى البعيد.
لذلك، تؤدي التعاريف الدقيقة دورًا حاسمًا لتفادي الالتباس، لأن الأشخاص يخطئون في بعض الأحيان في المقارنة بين انعدام الأمن الغذائي الحاد والجوع؛ فهذان مفهومان مختلفان.
ثالثًا، يجدر بنا أن نعي أننا نحتسب أيضًا مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي، الذي يقيس انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد. ويبيّن هذا المقياس بعدًا أوسع نطاقًا، يشمل شيئًا شبيهًا بالجوع في الجانب الشديد، ونقص التغذية والتغذية المفرطة على حد سواء (بما في ذلك الوزن الزائد والسمنة) في الجانب المعتدل.
وهذا الرقم مستمد من استقصاء عالمي نجريه، وكذلك من معلومات بلدان تجمع البيانات باستخدام ذات أدوات ومنهجية استقصاء مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي. وتضم الأمثلة الواضحة على ذلك البرازيل والمكسيك والولايات المتحدة، التي تقوم بجمع هذه البيانات بالفعل. ونحن نواصل العمل على زيادة عدد البلدان التي تجمع بياناتها الخاصة، مع التركيز على بناء قدرتها على فعل ذلك.
ويبيّن هذا المؤشر غياب الحصول على الغذاء الكافي عبر الزمن، وهذه هي الفكرة التي نحاول إيصالها. ومن الضروري التمعن في هذه السلسلة كل عام، مع استمرارنا في تنقيحها وتحسينها.
ويتم الاستثمار في الجهود المكثفة الرامية إلى العمل مع البلدان وبياناتها الرسمية، التي تُستخدم كمدخلات للمنهجية الموحدة للمنظمة المعتمدة من جانب اللجنة الإحصائية. وهي تشكل مؤشرات رسمية لأهداف التنمية المستدامة معتمدة من قبل جميع البلدان. وتجري المنظمة التحليل بناءً على المدخلات التي توفرها البلدان بما يخص كلًا من مؤشري الجوع والتغذية. أما بالنسبة إلى مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي، فإننا نجمع بياناتنا بأنفسنا، كما هو مذكور سابقًا.
ومن المثير للاهتمام أنه عند تفحص بيانات مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي إلى جانب بيانات الجوع، نلاحظ اتساقًا بينهما. ويصبح هذا الاتساق أيضًا واضحًا عندما نقارنه بتطور الفقر. ولذلك، اعتقد أن الأرقام التي نوفرها تقدم تقديرًا موثوقًا ومتسقًا للوضع الراهن.
ونلاحظ أن بلدانًا عديدة ترغب في أن تكون لديها أرقام سنوية تتبّع تطورها، لكن من المهم أن نفهم وجود حالة من عدم اليقين بين السنوات. ولمعالجة هذا الأمر، نستخدم متوسط فترة ثلاث سنوات عند الإبلاغ عن أرقام الجوع. ومن خلال استخدام متوسط متداول لفترة ثلاث سنوات، نخفف فعليًا التفاوت المحتمل في البيانات بين البلدان المختلفة. وهكذا يتضمن الرقم العالمي هذه المعدلات، ممّا يساعد في تقليل التباين إلى أقصى حد ممكن.
وأخيرًا، كما رأيت بنفسك، لم نعد نبلغ عن تقدير نقطة منفردة بالنسبة إلى أرقام الجوع، بل نعرض نطاقًا كاملًا عوضًا عن ذلك. وتشير تقديراتنا لهذا العام إلى أن ما بين 713 مليون و753 مليون شخص يعانون من الجوع، حيث أشرنا إلى نطاق نثق أنه يتضمن الرقم الفعلي. ويعود هذا التحوّل إلى الطبيعة المتغيّرة للعالم ودوافع انعدام الأمن الغذائي، ممّا يؤدي إلى زيادة التباين وعدم اليقين. ونشعر بارتياح أكبر عند الإبلاغ عن نطاق عوضًا عن عدد مطلق لإبراز هذا الواقع.
إلى أي مدى نحن بعيدون عن تحقيق هدف القضاء التام على الجوع بحلول عام 2030؟ إذ يبدو أننا خارج المسار. فكيف يمكننا اللحاق بالركب؟
نحن خارج المسار بالنسبة إلى جميع المؤشرات، وهذا أمر لا شك فيه. وبحال أسقطنا أرقام اليوم في المستقبل، سيكون لدينا ما يصل إلى 582 مليون شخص يعانون من نقص تغذوي مزمن أو من الجوع بحلول عام 2030. ويتجاوز هذا الرقم هدف القضاء التام على الجوع بنصف مليار نسمة.
ويجدر بنا تسريع العملية والتغيير إذا ما أردنا الاقتراب من هدفنا بقدر الإمكان، الذي اتسم بشدة الطموح منذ البداية. ولم تبق أمامنا سوى ست سنوات. وفي الواقع، إذا نظرت إلى جميع الأقاليم المختلفة ورأيت ما حصل في أمريكا الجنوبية، فذلك ممكن برأيي.
فقد حققت أمريكا الجنوبية تحسنًا كبيرًا في السنوات الثلاث الأخيرة، وعادت إلى ظروف ما قبل جائحة كوفيد-19. إنما للأسف لم يحصل ذلك في أفريقيا، التي ستكون موطن نصف الأشخاص الجائعين الذين من المتوقع أن يبلغ عددهم 582 مليون شخص بحلول عام 2030. ولذلك، يجب علينا العمل وتسريع عجلة التقدم، والتعلّم من أمريكا الجنوبية وجميع الأقاليم، من أجل تحقيق أهدافنا.
ويركز الجزء الثاني من تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم لهذا العام على التمويل. فمن أجل تحقيق هدفنا، يجب علينا تغيير كيفية تمويل مساعي الحد من الجوع على الصعيد العالمي. ولذلك نحتاج إلى إيجاد سبل لتسريع التمويل.
ولكن ذلك يتطلب توافر عدة شروط. أولًا نحتاج إلى تنسيق أفضل. فتُقدم الجهات المانحة والوكالات المختلفة التمويل آخذة بالاعتبار أهدافًا مختلفة، وذلك بحاجة إلى تحسين. ونحن نحتاج كذلك إلى زيادة التنسيق ووضع أهداف محددة.
ثانيًا، يجب أن نكون أكثر ميلًا للمخاطرة. فنحن نخشى المخاطر أكثر من اللازم في طريقة تخصيصنا للموارد. فقليل من المجازة ضروري أحيانًا. ويمكن مثلًا التضحية بقليل من النمو لضمان مستويات أدنى من الفقر، وبالتالي تقليل الجوع في العالم.
ثالثًا، يجدر بنا زيادة الأساليب المختلفة للحصول على التمويل. وتتمثل إحدى الطرق في استقطاب التمويل من القطاع الخاص، ولكن من الضروري لتحقيق ذلك استخدام التمويل المختلط، لأن أغلبية البلدان التي تعاني من أشد مشاكل الجوع هي بلدان عالية المخاطر. وذلك يعني ببساطة إنشاء طبقة تقلل من مخاطر الاستثمار في هذه البلدان بالنسبة إلى الشركات الخاصة.
إنما نحتاج للابتكار أيضًا حتى في التمويل المختلط. فيجدر بنا الحد من المخاطر عبر المعلومات. وهذا هو دور المنظمة، أي تقديم معلومات أفضل للعالم بخصوص ما يحصل ومكان وقوع المشاكل، لكي توجه الشركات والبلدان جهودها على نحو أفضل.
كما أننا بحاجة إلى استحداث أدوات جديدة. ويتمثل أحد مساعينا في محاولة استقطاب التمويل المناخي نحو النظم الزراعية والغذائية. وسيكون ذلك محوريًا كون ما بين 3 و4 في المائة من التمويل المناخي يذهب في يومنا هذا إلى النظم الزراعية والغذائية. ولكن النظم الزراعية والغذائية تؤثر كثيرًا على البيئة (من خلال الانبعاثات)، وتتأثر في الوقت ذاته إلى حد كبير بتغيّر المناخ.
ومن هنا يأتي عملنا على خارطة الطريق العالمية من أجل القضاء على الجوع من دون تجاوز عتبة 1.5 درجات مئوية. ونحن بصدد إيجاد الأساليب التي تظهر كيف يمكننا كسب الفعالية من خلال الانتقال العادل في النظم الزراعية والغذائية، وبالتالي الحد من الانبعاثات وتحسين التنوّع البيولوجي وفي الوقت نفسه تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة، أي القضاء التام على الجوع.
وتكتسي اليوم المبادرة الجديدة لمجموعة العشرين التي أطلقتها البرازيل بقيادة الرئيس Lula تحت عنوان التحالف ضد الفقر والجوع، بأهمية مركزية في هذا الصدد، لأنها ستساعدنا في الجمع بين كل هذه الركائز سويًا.
ما هي تلك الركائز؟
لدينا ركيزة المعرفة، وهي ركيزة نحاول فيها تعلّم أفضل الممارسات من بلدان العالم المختلفة. وستعطينا الآلية والطابع المؤسساتي الضروريين لنوصي البلدان بما يجدر بها القيام به.
ومن ثم لدينا ركيزة التمويل وهي أيضًا مركزية، لأنها ستجمع كل تلك الابتكارات الجديدة للتمويل، والتي ستسعى أيضًا إلى إنشاء التنسيق بين مختلف الجهات المانحة للبلدان. ولذلك تتسم البنوك المتعددة الأطراف واستثمارات البلدان – البلدان الرئيسية ومجموعة السبعة ومجموعة العشرين – بأهمية محورية لأنه سيكون من الجيد امتلاك منصة للتنسيق تربط ما بين الأمور التي نعلم كيفية القيام بها وكيفية تمويل هذه الأمور.
ثالثًا، هناك ركيزة الأثر القطري، أي العمل على المستوى القطري. ويجب أن يتجه العمل فيها من الأسفل إلى الأعلى. وعلينا العمل مع البلدان الأخرى. لذلك سيكون التحالف الناشئ من مجموعة العشرين في البرازيل مركزيًا، ولهذا السبب اتخذنا قرارًا هذا العام يختلف عن السنوات السابقة، يتمثل في إطلاق تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم هناك، لأننا نعتقد أن تلك هي نقطة بداية الثورة التي نحتاج إليها لتسريع وتيرة تحوّل النظم الزراعية والغذائية.
ومن الواضح بالنسبة إلينا أن أمريكا اللاتينية وأمريكا الجنوبية على وجه الخصوص ستحقق هذا الهدف بحلول عام 2030 في حال استمرينا على هذا النحو. فبحسب توقعاتنا الحالية، سيكون هناك حوالي 20 مليون شخص جائع فقط، ومن الممكن إيجاد حل لهذا الأمر.
ولكن ما نحتاج إليه هو تكرار ما يجري في هذا الإقليم في الأقاليم الأخرى، وهذا ما نحتاج إلى القيام به بالنسبة إلى تحويل النظم الزراعية والغذائية، فنفهم بالتالي مدى أهمية دفع التحالف جنبًا إلى جنب مع البيانات التي نقدمها في تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم، لكي نلمس في الأعوام القادمة تحسينات تؤدي إلى تحقيق الهدف الذي نصبو إلى تحقيقه.