فيينا – يمكن أن تسهم التطبيقات السلمية للعلوم والتكنولوجيات النووية في دعم المحاصيل وسلالات الثروة الحيوانية والتخفيف من تآكل التربة وتحسين مكافحة الآفات وإدارة المياه، وهي جميعها أمور لا غنى عنها من أجل تهيئة عالم أفضل يستفيد فيه الجميع من الزراعة المستدامة والأمن الغذائي.
وهناك مجموعة أمثلة ملموسة على ذلك بدءًا باقتصاد المياه لمساعدة النازحين في نيجيريا على زراعة الخيار وصولاً إلى مساعدة بلدان مثل الجزائر والكاميرون وفييت نام على تطبيق معايير الصحة النباتية، مما يمكنها من الاستفادة من ميزاتها المقارنة وتصدير فواكه عالية القيمة.
ولهذا السبب، تعمل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) والوكالة الدولية للطاقة الذرية (الوكالة) على مضاعفة التزامهما بالارتقاء إلى حد كبير بالتعاون المشترك بينهما بعدما أثمر إنجازات لافتة على مدى العقود الستة الماضية.
وقد اتفقت وكالتا الأمم المتحدة اليوم على توطيد أواصر تعاونهما وتكثيفها، حيث وقّع السيد شو دونيو، المدير العام للمنظمة والسيد Rafael Mariano Grossi، المدير العام للوكالة، على مذكرة تفاهم من أجل الاستفادة من الابتكار في البحث والتطوير بغية توفير دعم معزز وفعال للدول الأعضاء ولملايين الأشخاص.
وقال السيد شو دونيو "فلنعمل معًا من أجل الاستفادة الكاملة من المركز المشترك لما فيه صالح المزارعين والمستهلكين"، مشيرًا إلى أنّ المركز يجسد مثالًا ناجحًا للغاية على التعاون بين وكالات الأمم المتحدة وأنّ المنظمة تحشد طاقات أعضائها لكي يقدموا المزيد من الدعم.
وأضاف: "ينبغي علينا في المرحلة المقبلة أن نعمل معًا على زيادة دراية الأعضاء بالتعاون المشترك بيننا وبالخدمات التي نقدمها لهم".
ويمهّد هذا الاتفاق الطريق أمام إعداد خارطة طريق مشتركة تفضي إلى شراكة استراتيجية أقوى، بما في ذلك التشارك في حشد الموارد وتنفيذ الأنشطة المتعلقة بالبيئة البحرية والعلوم الفيزيائية والكيميائية وصحة الإنسان.
المركز المشترك
لطالما كانت المنظمة والوكالة شريكين متقاربين، يديران المختبرات معًا، منذ عام 1964. وقال السيد Qu Liang، الذي أدار المركز طوال الأعوام السبعة عشر الماضية: "لقد تكثف التعاون بعد عام 2007، وزاد عدد الموظفين في المركز بمقدار أربعة أضعاف منذ ذلك الوقت، وفي عام 2021، تعاظم التعاون نتيجة الترقية المؤسسية وإنشاء مركز التقنيات النووية في الأغذية والزراعة المشترك بين المنظمة والوكالة". ويقع مقرّ المركز في فيينا، وهو "مؤسسة فريدة في منظومة الأمم المتحدة تضمّ مختبرات متطورة وتجري البحوث المعقدة وأنشطة التنمية".
ومن الأمثلة على ذلك استخدام مستشعرات نيوترونات الأشعة الكونية من أجل رصد رطوبة التربة في المناظر الطبيعية، مما يسهم في تحسين إدارة الأراضي وزيادة حصيلة الأغذية والزراعة الذكية مناخيًا. وبإمكان المستشعرات كشف الرطوبة على عمق عشرات السنتيمترات تحت سطح التربة ويمكنها أن تسدّ الفجوة بين قراءات رطوبة التربة النقطية والبيانات الواسعة النطاق التي يوفرها الاستشعار عن بعد.
واللقاحات هي مجال هام آخر من مجالات العمل. فقد ساعدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على تطوير اللقاح المستخدم في الحملة التي قادتها المنظمة من أجل استئصال الطاعون البقري، وهو طاعون يصيب المواشي ومنه نوعان فقط – وكان النوع الثاني هو القضاء على فيروس الجدري المميت. ويعمل المركز حاليًا على تطوير لقاحات معالجة بالإشعاع من أجل تلقيح الثروة الحيوانية في إثيوبيا التي تصدّر ما يزيد على (1) مليون رأس من الماشية كل عام، بحيث تكون قادرة على تثبيط الكائنات الحية الدقيقة المسببة للأمراض في الثروة الحيوانية، وبذلك تتفادى الحيوانات الأمراض وكذلك مخاطر التلقيح بكائنات حية دقيقة.
ومن المبادرات الرئيسية الأخرى التي أطلقها المركز المشترك إيجاد طرق للاستفادة من الميكروبيوم النباتي في الموز وموز الجنة لتمكينهما من مقاومة مرض ذبول الموز الفطري، وهو تهديد كبير لإنتاج الموز الذي يعتمد عليه ما يربو على 400 مليون شخص من أجل تأمين دخلهم.
ونظرًا إلى أنّ الذرات تحتوي على علامات مميزة في غاية الدقة، فإنّ تحليلها النظيري يمكن أن يساعد على تحديد أصل النواقل البيئية غير المرغوب فيها. وبعد العديد من المشاريع الناجحة التي ركزت على تآكل التربة، يجري المركز حاليًا بحوثًا على الجزيئات البلاستيكية باستخدام تقنيات نووية. ومن شأن ذلك أن يوفر دعمًا حاسمًا للجهود الرامية إلى الحد من التلوث الناجم عن المواد البلاستيكية، برًا وبحرًا، وهو ما يخلّف آثارًا سلبية هائلة على المناخ والأنماط البيئية.
وهناك مواضيع أخرى مثيرة للاهتمام يمكن للتكنولوجيات النووية أن تساهم فيها وهي في ميادين سلامة الأغذية ومعايير الصحة النباتية الواجب اتباعها من أجل التجارة وتتبع منشأ المنتجات التخصصية بهدف مكافحة الغش في الأغذية.
ومن المعروف على نطاق واسع أنّ المركز المشترك هو جهة فاعلة طليعية في الاستخدام المتزايد لتكنولوجيا الحشرة العقيمة، التي يجري من خلالها إطلاق الملايين من ذباب فاكهة البحر الأبيض المتوسط والآفات الأخرى التي جرت إصابتها بالعقم بواسطة الإشعاع بغية التسبب بانخفاض مدبّر في مجموعات الآفات البرية القادرة على تقويض وصول الفواكه والخضروات إلى الأسواق.
المختبرات
قام السيد شو دونيو والسيد Grossi، إلى جانب كبار المسؤولين من المنظمة والوكالة على حد سواء، بجولة يوم الاثنين في وحدات مختبرات المركز المشترك التي تركز تباعًا على تربية النباتات وعلم الوراثة النباتية؛ ومكافحة الآفات الحشرية؛ وسلامة الأغذية ومراقبتها؛ وإدارة التربة والمياه وتغذية المحاصيل؛ والإنتاج الحيواني وصحة الحيوان – في مدينة سايبيرزدورف في النمسا.
وأكد السيد شو دونيو على أنّ برنامج المركز المشترك وأنشطته "قائمة على الطلب وموجهة نحو حل المشاكل" بالتركيز على نقل التكنولوجيات بغية تمكين الدول الأعضاء من تلبية الاحتياجات الواقعية والعملية. وقال: "إنّ الإنجازات التكنولوجية التي حققها المركز تمتدّ تأثيراتها على طول سلسلة الإمداد بأكملها، بدءًا من المزارعين والمنتجين وانتهاءً بالمستهلكين، من المختبر مرورًا بالحقل ووصولًا إلى المطبخ".