روما - قُبيل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للمياه لعام 2023 وعقب المنتدى الدولي الثاني للإطار العالمي بشأن ندرة المياه في الزراعة (WASAG)، تحدّث السيد Li Lifeng، مدير شعبة الأراضي والمياه في منظمة الأغذية والزراعة (المنظمة)، عن أحد أكثر التحديات العالمية إلحاحًا التي تواجه البشرية جمعاء، وهي ندرة المياه.
1- ما مدى إلحاح مسألة ندرة المياه في العالم اليوم؟
تتفاقم ندرة المياه بسبب تغير المناخ والنمو السكاني العالمي، ما يؤدي إلى زيادة المنافسة على مورد متضائل يتغير توافره بشكل متزايد. ويسفر تغير المناخ عن أنماط لهطول الأمطار لا يمكن التنبؤ بها، وإلى ظهور حالات متطرفة جديدة أو ذروات لحالات الجفاف والفيضانات، ما يزيد صعوبة اللجوء إلى التخطيط التقليدي لموارد المياه من أجل تلبية الطلب المتزايد على المياه. وبما أن "المياه هي (عصب) الحياة" وأن للمياه دورًا مهمًا في تحقيق التوازن بين الكفاءة الاقتصادية والاستدامة البيئية والعدالة الاجتماعية، ثمة حاجة ملحة لاتخاذ الإجراءات اللازمة. ومن الأفضل أن يتم ذلك بطريقة منسقة وتعاونية.
2- إلى أي مدى تؤثر ندرة المياه على الزراعة والأمن الغذائي؟
المياه هي إحدى المُدخلات الرئيسية للإنتاج الزراعي – إذ تختلف احتياجات المحاصيل من المياه بحسب أنواعها من أجل نموها الأمثل. وللزراعة دور حيوي في معادلة المياه كونها تستحوذ على حوالي 70 في المائة من عمليات سحب المياه العذبة. وتعني ندرة المياه أن هناك مياهًا أقلّ للإنتاج الزراعي، ما يعني بالتالي أن هناك قدرًا أقلّ من الأغذية، وهو ما يهدد الأمن الغذائي والتغذية. ونظرًا إلى أن عدد سكان العالم سيصل إلى حوالي 9 مليارات نسمة في عام 2050، فمن الواضح أن ندرة المياه تشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن الغذائي، كونه سيتوجّب زراعة المزيد من المنتجات الغذائية بموارد مائية محدودة.
3- ما هي أنواع ندرة المياه التي يمكن أن تعاني منها المناطق؟
تعاني البلدان في العادة إما من الندرة المادية للمياه وإما من الندرة الاقتصادية للمياه. وتحدث الندرة المادية للمياه عندما يتجاوز الطلب على المياه موارد المياه المتوفرة بشكل طبيعي في منطقة معينة، في شكل مياه سطحية أو جوفية في ظلّ نظام معين لهطول الأمطار. وغالبًا ما تحدث الندرة الاقتصادية للمياه في المناطق التي، على الرغم من وفرة الموارد المائية فيها، لا تملك بنية تحتية كافية لإتاحتها من أجل تلبية الاحتياجات المختلفة، مثل الكهرباء والصناعات والمناجم وإمدادات المياه المنزلية والزراعة. وغالبًا ما وجد الناس في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، التي تعاني من ندرة مادية للمياه بسبب بيئتها الطبيعية، حلولًا مبتكرة مثل جلب المياه من مصادر بعيدة، واستخدام أساليب ري فعالة وممارسات أخرى مثل تحلية مياه البحر أو استخراج المياه الجوفية عندما تكون متاحة.
وبسبب تغير المناخ الذي يؤثر على الأنماط الموسمية لهطول الأمطار، تعاني حاليًا البلدان التي تعتمد حصريًا على الزراعة البعلية من ندرة مادية مؤقتة للمياه بسبب الهطول غير المنتظم للأمطار الذي يعكّر مواسم الزراعة المعتادة، مما يسبب فشل المحاصيل بشكل متكرر ويؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي. ويحتّم ذلك تخزين المياه لأغراض الري التكميلي. كما تتطلب معالجة هذا التغير المناخي اتباع نُهج جديدة مثل المحاصيل المقاومة للجفاف أو الزراعة البينية مع استخدام محاصيل التغطية (مثل أنواع معينة من البقول) التي تُطيل رطوبة التربة بالنسبة إلى المحاصيل الأساسية المستهدفة بالزراعة (مثل الذرة) لكي تواصل نموها عندما يتوقف هطول الأمطار.
وسيتعيّن على جميع المناطق على نحو متزايد تخزين المياه للري (التكميلي)، وهو أمر ضروري للتعويض عن النقص المتزايد في الاحتياجات المائية للمحاصيل الناجم عن الهطول غير المنتظم للأمطار أو الذي لا يمكن توقعه.
4- ما هو دور منظمة الأغذية والزراعة في معالجة مسألة ندرة المياه عالميًا؟
تؤدي المنظمة دورًا هامًا في معالجة مسألة ندرة المياه عالميًا ولا سيما في مجال الزراعة. فعلى المستوى الإقليمي مثلًا، ساعدت مبادرة ندرة المياه في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا (وهي منطقة متأثرة بالندرة المادية للمياه) البلدان بطرق عدّة، كالمحاسبة والمراجعة في مجال المياه، ومراجعة مواردها المائية وتحديد إمكانات تحسين الاستخدام الفعال للمياه في الزراعة. واقترن ذلك بمراجعة السياسات والبيئة المؤسسية التي تدعم إدارة الموارد المائية.
وأُنشئت مؤخرًا المنصة الفنية الإقليمية المشتركة بشأن ندرة المياه في محاولة لتعظيم أوجه التآزر بين المبادرات الإقليمية المختلفة في ظلّ الرقابة العالمية. وتستضيف منظمة الأغذية والزراعة أيضًا الإطار العالمي بشأن ندرة المياه في الزراعة (WASAG) الذي يضم أكثر من 70 شريكًا يمثلون البلدان والمنظمات الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة والمؤسسات الأكاديمية والبحثية والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية ومنظمات القطاع الخاص والجمعيات التجارية. وقد عمل هؤلاء الشركاء منذ عام 2017 على أساس تطوعي لإيجاد حلول تعاونية، مستفيدين بشكل تام من دور منظمة الأغذية والزراعة الجامع لأصحاب المصلحة كافة.
5- خلال اجتماع عُقد مؤخرًا في روما لمجموعة بلدان أفريقيا، أبدى الممثلون الدائمون لدى منظمة الأغذية والزراعة من القارة اهتمامًا خاصًا بكيفية تأثير الإطار العالمي بشأن ندرة المياه في الزراعة على أفريقيا. ما رأيكم في ذلك؟
إن مجموعة بلدان أفريقيا للممثلين الدائمين لدى منظمة الأغذية والزراعة محقة في الاعتراف بأن إدارة المياه هي مسألة مهمة لأفريقيا: ففي هذه القارة، تم تخزين 6 في المائة فقط من موارد المياه العذبة المتاحة خلف السدود، ما يعرّض القارة لتقلبات تغير المناخ وللندرة المادية المؤقتة للمياه. وقد استفاد المنتدى الدولي الثاني للإطار العالمي بشأن ندرة المياه في الزراعة الذي أقيم في برايا بكابو فيردي، من مشاركة البلدان الأفريقية والاتحاد الأفريقي واللجنة الدائمة المشتركة بين الدول لمكافحة الجفاف في منطقة الساحل. ويعدّ الاتحاد الأفريقي شريكًا نشطًا في الإطار العالمي بشأن ندرة المياه في الزراعة، ويشارك في مجموعات العمل التي ينظمها الإطار بشأن المياه والتغذية والاستخدام المستدام للمياه في الزراعة. وقد طلبت الاتحاد من الشراكة أن تيسر التدريب على المبادئ التوجيهية للري المضغوط، استجابة للحاجة المتزايدة إلى الري (التكميلي) في أفريقيا. أما اللجنة الدائمة المشتركة بين الدول لمكافحة الجفاف في منطقة الساحل، فقد التزمت من خلال أمينها التنفيذي السيد Abdoulaye Mahamadou بتنظيم الأحداث المستقبلية للإطار العالمي بشأن ندرة المياه في الزراعة جنبًا إلى جنب مع حكومة كابو فيردي، اعترافًا منها بأهمية الموضوع وفي إطار تعاونها لإيجاد الحلول التي تساهم في تنفيذ ولايتها.
ولعلّ الأهمّ أن المنتدى قد تبنى دعوة برايا للعمل. وقد دعا جميع البلدان الأعضاء لكي تصبح شريكة في الإطار العالمي بشأن ندرة المياه في الزراعة.
6- ما هي أهداف الإطار العالمي بشأن ندرة المياه في الزراعة؟
تتمثل رؤية الإطار العالية بشأن ندرة المياه في الزراعة في عالم تكون نظمه الغذائية آمنة وقادرة على الصمود أمام تفاقم ندرة المياه في ظل مناخ متغير. وتتمثل مهمته في دعم التقدم الملحوظ والقابل للقياس في مجال تحسين النظم الزراعية وتكييفها في ظل ظروف تتسم بتفاقم ندرة المياه ومناخ متغير، باستخدام الخبرات والموارد المشتركة للشركاء. وتتمثل أهداف الشراكة العالمية بشأن ندرة المياه في الزراعة في معالجة مجالات العمل التالية المهمة وذات الصلة على المستويين الدولي والقطري على وجه السرعة:
- الدعوة إلى تحديد الأولويات على مستوى السياسات؛
- والتعاون في برامج العمل؛
- وتبادل المعارف والخبرات ونشرها؛
- ووضع حلول جديدة أو محسّنة؛
- وتشجيع الإدارة المستدامة والمتكاملة لموارد المياه؛
- وبناء قدرات الشركاء والبلدان وأصحاب المصلحة الآخرين؛
- والمساهمة في أنظمة مراقبة متسقة.
ويساهم عمل الشراكة العالمية بشأن ندرة المياه في الزراعة بشكل مباشر في التنمية المستدامة لعام 2030 وفي أهداف التنمية المستدامة، وكذلك في اتفاق باريس بشأن تغير المناخ.
7- هل تعتقدون أن دورة الإطار العالمي كانت ناجحة هذه السنة؟ ما هي بعض الحلول الملموسة التي تم اقتراحها في المنتدى؟
يتجلى نجاح الإطار العالمي بشأن ندرة المياه في الزراعة هذه السنة في الإنجازات التي حققها وفي الحلول الملموسة التي قدمها. فقد قام المشاركون خلال المنتدى الدولي الثاني للإطار العالمي بما يلي، عن طريق دعوة برايا للعمل:
- أيّدوا عرض حكومة كابو فيردي لجعل برايا عاصمة الشراكة العالمية بشأن ندرة المياه في الزراعة. وذلك مناسب لأن كابو فيردي تمثل نموذجًا لتحديات ندرة المياه، وكان شعبها مرنًا في إيجاد الحلول، وهي بمثابة مثال يحذى به للبلدان الأخرى التي تواجه ندرة المياه في ظل ظروف مماثلة أو أقل قسوة.
- اعتمدوا 17 إجراءً، جميعها ملائم للموضوع وتتراوح بين حشد الدعم السياسي، وتعزيز الملكية الوطنية، مع تكثيف أنشطة التعاون بين البلدان واعتماد نُهج للتعاون الدولي عبر القطاعات ومتعددة التخصصات.
- اعتمدوا إجراءات محددة بشأن آليات التمويل المبتكرة، والنهج التي يقودها المزارعون بما في ذلك الشباب، والتكنولوجيات الشاملة، والزراعة الرقمية، والجمع بين إدارة المياه التي تستخدم في الزراعة والاعتبارات الخاصة بالأغذية والتغذية والمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية والزراعة في الأراضي الجافة والزراعة بالمياه المالحة والتعامل مع النزوح وما إلى ذلك.
8- كيف يمكن لمؤتمر الأمم المتحدة للمياه لعام 2023 أن يساعد في تحقيق الأهداف؟
مؤتمر الأمم المتحدة للمياه لعام 2023 هو دعوة للعمل لكل شخص على هذا الكوكب من أجل تسريع وتيرة التغيير لحل أزمة المياه في جميع أنحاء العالم. وهو يمثل لحظة فاصلة تدعو الحكومات وصانعي القرار إلى اتخاذ إجراءات والتزامات منسقة لتحقيق الأهداف والغايات المتفق عليها دوليًا والمتعلقة بالمياه، بما في ذلك تلك الواردة في خطة التنمية المستدامة لعام 2030. وهو يعدّ أهم حدث يُعنى بالمياه لهذا الجيل، وهو الحدث الأول من نوعه منذ ما يقرب من 50 عامًا.
وستكون منظمة الأغذية والزراعة جهة منظمة وشريكة ومشاركة في أكثر من 35 حدثًا في المؤتمر. ويمكن الاطلاع على مزيد من التفاصيل في الصفحة الخاصة عن دور منظمة الأغذية والزراعة في مؤتمر الأمم المتحدة للمياه.