روما - تتسبب عوامل، من قبيل النمو السكاني والتوسّع الحضري وأنماط الاستهلاك المتغيّرة وتغيّر المناخ، في الحد من قدرة نظمنا الزراعية والغذائية على توفير أغذية مغذية وسبل عيش مستدامة للجميع.
وتقول مدير شعبة النظم الغذائية وسلامة الأغذية في منظمة الأغذية والزراعة، السيدة Corinna Hawkes، إنّ مواجهة هذه التحديات تقتضي من العالم أن يعتمد نهجًا شاملًا ومستدامًا يراعي العوامل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ومن الناس أن يتكاتفوا ويعملوا معًا.
ومع اقتراب موعد انعقاد عملية تقييم حصيلة قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية + 2 التي ستتيح فضاءً مواتيًا للبلدان لاستعراض الالتزامات المتعلقة بالعمل التي تم التعهّد بها خلال القمة الأولى في عام 2021، طلبنا من الخبيرة أن تحدّثنا عن المفاهيم الأساسية للنظم الزراعية والغذائية وأن تشرح لنا ما هي الأمور المهمة التي سيتناولها هذا الحدث الدولي.
ما هو النظام الزراعي والغذائي بالتحديد؟
السيدة Corinna Hawkes: النظام الزراعي والغذائي هو كل شيء مرتبط بالأغذية والزراعة، ابتداءً مما نأكله بأفواهنا إلى الطريقة التي يتم بها بيع الأغذية وتوزيعها وتجهيزها، والطريقة التي تتم بها زراعة الأغذية في الحقول وعلى اليابسة وفي البحار وإنتاج المنتجات الأخرى التي قد لا تكون أغذية بل وقودًا وأليافًا. وتنطوي جميع هذه العمليات على مجموعة كبيرة من الأنشطة والاستثمارات والقرارات.
ويقوم النظام الزراعي والغذائي بدمج كل ذلك في نظام. والمهم فعلًا في ذلك - والسبب في أننا نسميه نظامًا - هو أنه مترابط. وهذا يعني مثلًا أنه إذا أردنا أن نزرع فاكهة وخضار لكي يتناول الناس طعامًا صحيًا أكثر، يجب ألّا نفكّر فقط في زراعة الخضار، وإنما أيضًا في كيفية حصول الناس عليها.
وتشكّل النظم الزراعية والغذائية أيضًا فضاءًا لإيجاد الحلول. إذ يمكنكم أن تجدوا فيها حلولًا لتغيّر المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، وسوء التغذية، والأمراض المزمنة، والأغذية غير الآمنة، والفقر، وافتقار المناطق الحضرية إلى الاستدامة. والنظم الزراعية والغذائية هي الحلّ لأهم التحديات التي يواجهها العالم.
لماذا يحتاج العالم إلى تحويل النظم الزراعية والغذائية؟
نحن بحاجة إلى تحويل النظام الزراعي والغذائي لأنه يفتقر في الوقت الحالي إلى القدرة على توفير هذه الحلول، فهو "مريض" وليس بحالة جيدة. وإنّ طريقة تصميمه والطريقة التي يعمل بها تدلان على أنه ضعيف، ويفتقر إلى القدرة على الصمود، ولا يتمتع بالقوة الكافية، وأنه بات منهكًا.
وكيف يمكن لأي شيء منهك أن يوفر حلولًا؟ لذا، فإن المؤسف والصعب هنا هو أن النظام الزراعي والغذائي لن يتمتع بالقدرة المحتملة على توفير هذه الحلول إلّا عندما نقوم بتحويله لتقويته ومساعدته على توفير الحلول التي نعلم أنه يمكنه توفيرها.
وتتمثل بعض التحديات الرئيسية في مساهمة الطريقة التي تتم بها زراعة الأغذية وإنتاجها في تغيّر المناخ الذي يُضعف بدوره النظام الزراعي والغذائي. ولكن، ينبغي ألّا يكون الأمر كذلك – لأن النظام الزراعي والغذائي هو أيضًا مصدر للحلول لمواجهة تغيّر المناخ.
ويقوم [النظام الزراعي والغذائي] أيضًا بإنتاج أغذية تجعل الناس يصابون بالمرض، وعندما يعاني هؤلاء الناس من المرض لا يمكنهم العمل جيدًا في النظام الزراعي والغذائي — فهم جزءٌ منه. ولهذا السبب يصبح النظام أضعف.
هل يمكنكِ أن تعطينا مثلًا على تحدٍ كبير تواجهه النظم الزراعية والغذائية حاليًا؟
يتمثل أحد الأمور التي فعلناها بشكل خاطئ حقًا في تجريد النظام من تنوّعه ونحن بحاجة إلى إعادة هذا التنوّع إليه. وأنا أتحدث هنا عن تنوّع الأغذية التي نتناولها وكذلك عن تنوّع الأغذية التي نزرعها.
ففي العقود الأخيرة، لجأنا إلى التخصّص في إنتاج بعض محاصيل السلع الغذائية الرئيسية. وكانت هذه الفكرة ممتازة من منظور الإنتاجية والكفاءة — ذلك أنها تجعل الأغذية أرخص ثمنًا، وتتيح إمكانية التجارة فيها، وتخفّض كلفة إنتاجها. ومن المهم أن نقوم بإنتاج هذه المحاصيل بفعالية. ولكننا لاحظنا أن الحد من التنوّع بقدر كبير يؤدي إلى الحد من قدرة النظام على الصمود. ولقد رأينا في النزاعات الأخيرة كيف يؤدي الاعتماد على بعض المنتجين الرئيسيين إلى الحد من هذه القدرة على الصمود.
ولهذا السبب، علينا أن ندرس بعناية أكبر الطريقة التي ننتج بها هذا التنوع الذي يعود بالمنفعة أيضًا على التنوع البيولوجي والبيئة والناس، لأننا بحاجة إلى تنويع الأغذية التي نتناولها.
كيف يمكننا مواجهة هذه التحديات؟
ثمة سبل عديدة لتحويل النظام الزراعي والغذائي، وأهمها هو جمع كل النظم معًا. وهذا يعني جمع كل الناس معًا.
ويتمثل أحد التحديات الرئيسية في أن بعض الناس يحاولون إصلاح التنوّع البيولوجي فيما يحاول البعض الآخر إصلاح التغذية. ويحاول بعض الناس إصلاح سلامة الأغذية، فيما يحاول البعض الآخر التصدي للفقر وإصلاح سبل عيش المنتجين الزراعيين. ولكن كل واحد منا يعمل في حيزه الخاص، الأمر الذي يضعف [النظام الزراعي والغذائي] أيضًا لأن ذلك يعني أننا لا نستفيد من حقيقة أننا معًا نكون أقوى.
والشيء الذي يجب أن يحصل حقًا هو أن يتّحد الناس ويقولوا "فلنعمل معًا كأشخاص يشكّلون جزءًا من النظام ولنجد طريقة لتوفير هذه الحلول". وبهذه الطريقة سنبدأ في إدراك أن النظام الزراعي والغذائي قد يبدو وكأنه المشكلة لأنه ضعيف، بينما هو في الواقع نظام قوي جدًا.
هل ثمة أمثلة على ممارسات جيدة يتم تعزيزها في الوقت الحاضر؟
أشعر بالحماس فعلًا تجاه بعض المبادرات التي يتم تطبيقها على المستويين دون الوطني والحضري وعلى مستوى المدن. فهناك طاقة هائلة في المدن - الكبيرة والصغيرة - حيث تقوم السلطات المحلية والجهات صاحبة المصلحة المتعددة بالفعل باتخاذ إجراءات.
فهي تعمل مثلًا على تحسين البنية التحتية للسوق لكي يتسنّى للناس الوصول بقدر أكبر إلى الأغذية؛ وعلى الحرص على أن تكون الأغذية آمنة في هذه السوق؛ وعلى الحد من الفاقد والمهدر من الأغذية في هذه السوق؛ وعلى فهم انعكاسات ذلك على منتجي العالم في المناطق شبه الحضرية والريفية القريبة من المدن وحتى البعيدة عنها. فماذا يعني ذلك بالنسبة إليها؟
لذا، بدأنا نرى على مستوى المناطق الحضرية والمدن، الروابط المهمة التي تجري إقامتها في مئات المدن في جميع أنحاء العالم.
ما الذي يمكننا توقعه من عملية التقييم المقبلة لحصيلة قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية + 2؟
آمل من اجتماع التقييم، الذي سيعقد بعد مرور سنتين على انعقاد قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية، أن تشارك الحكومات والعديد من الجهات صاحبة المصلحة الأخرى لتبادل نجاحاتها وتحدياتها في مجال إحداث التغيير.
وأتمنى أن تعقد نقاشات مفتوحة وصريحة حول ما الذي يحصل، وكذلك حول مدى صعوبته. فليس من السهل إحداث هذه التغيّرات، وأعتقد أننا بحاجة إلى أن نكون صريحين وأن نقول "انظروا، نحن نقوم ببذل الجهود ولكن الأمر ليس سهلًا. فلنساعد بعضنا بعضًا".
وأتمنى أن أرى حسًا من التضامن بين الحكومات والجهات صاحبة المصلحة الأخرى، بحيث يمكنها القول: "اسمعوا، إذا قمنا بتبادل خبراتنا، وفعلنا ذلك بشكل عملي، وبحثنا عن الممارسات الجيدة، وفكرنا في كيفية مواجهة التحديات، فسنحقّق نتيجة أفضل معًا".
لذا، أنا أتمنى حقًا أن تولّد عملية التقييم هذه حسًا أكبر من التضامن بين الأمم وكذلك على المستوى دون الوطني.
هل هناك نتيجة مثالية؟
النتيجة المثالية هي أن يستمر الزخم الذي تولّد وألّا يبقى الالتزام بالتغيير مجرّد التزام، بل أن يؤدي إلى إجراءات ملموسة على أرض الواقع لإحداث تغيير فعلي.
تم تحرير هذه المقابلة توخيًا للاقتضاب والوضوح